خالد بن حمد المالك
هذا هو الموت، لا يستأذننا، ولا يفكر بحزننا، وهو قدرنا الذي لا نملك الفرار منه، ونجاهد من أجل أن نتجنب ما هو أجل محتوم، نُقاوم، ونبذل الأسباب، ولكننا في اليوم الموعود سنكون على موعدٍ مع مالا نريده.
* *
هي الحياة، بكل ملذاتها، ومتعتها, وأنسها، لا تخلو من كدر وألم وعذاب، وزمانها وإن طالت به سنوات أعمارنا فهي جد قصيرة، تمر بسرعة، وكل منا يتمنى لو طالت به، ولكن أنّى له أن يتحقق له مُناه، ويُستجاب لرغباته.
* *
وها هو الموت يصل إلى أحد أغلى الرجال، ويأخذ منا من هو في مقام المواطن المُتيّم بحب وطنه، فقد أعطاه الراحل الكبير من دفق حبه شعراً كما (هام السحاب) وغُني من كلماته ما أصبح ذائقة الناس بأصوات عدة لكبار الفنانين والفنانات.
* *
البدر (بدر عبدالمحسن) بدراً كما هو اسمه، يغيب ولا يغيب، يموت دون أن يموت، فهو الحاضر في وجدان كل منا، تحييه كلماته وإرثه من الشعر الخالد الذي تركه لنا ومشى، لكن الخسارة الكبيرة في موته أنه اكتفى بما كان، وودعنا، وقال لنا لا تنتظروا مني بما سيكون.
* *
جمهور بدر عبدالمحسن تجاوز المملكة ليصل إلى أصقاع الدنيا، خدم الطرب وخدمه الطرب، ذاع صيت المغنّين بفضل قصائده المغناة، واشتهر شاعرنا على نطاق واسع لأن الأصوات الجميلة تنافست على شعره ليُغنى من شعره بإبداع من خلال أشهر المطربين.
* *
وموت البدر شكّل صدمة وحزناً لا ينتهيان، وغيابه تم مروره محمولاً على مخزون كبير من العطاء، وسيظل رصيده من الشعر الجميل يذكرّنا به، ويُحسّسنا بأن شاعراً كبيراً منحنا أجمل الكلمات، وقد تركنا بعد أن أهدانا على مدى سنوات ما سيُخلّد ذكره، ويترجم التقدير له، ويعزّز محبتنا له حتى وإن انتقل إلى رحمة الله.
* *
وصوت البدر المصحوب بشعره حين كان يحيي الأمسيات، كما شعره المتناغم مع رُوّاد الطرب، هو من سوف يُعزّز مكانة الشاعر الكبير على امتداد التاريخ، فقد امتلك عواطف الناس، ولبى رغباتهم بالشعر الوطني والقومي والإنساني والعاطفي بتميز وإبداع لا يُجارى.
* *
وفي ظل الحديث عن بدر عبدالمحسن الشاعر المبدع، والتفاف من يتمتع من الجمهور بذائقة فنية عالية، لا ننسى أبداً أنه كان على خُلقٍ رفيعٍ بتواضعه وتعامله وطيبته وحسن تقديره لكل محبيه، وأن حجم الإعجاب الكبير بمسيرته الشعرية لم يصرفه عن الاهتمام بالجمهور، ولم يأخذه ذلك إلى ساحة الغرور والتعالي، لأنه أصيل في نفسه كما هو في شعره.
* *
لقد تأثر الجميع لوفاته، وحزن لأنه لن يراه بعد اليوم يحيي أُمسيةً، أو يشارك في مناسبة، أو يكون له ظهور حي أمام جمهوره الواسع بقصائد جديدة، وحُقّ للجميع أن يحزنوا ويتأثروا، ويبكون توقّف الشاعر الحداثي المُجدد عن إمتاع جمهوره بالمزيد من أشعاره بعد الآن.
* *
وداعاً بدر عبدالمحسن، وستبقى ذكراك وشعرك ومسار حياتك حيّةً في نفوسنا ما بقينا أحياء، والعزاء للقيادة والأسرة والمواطنين والوطن كله، فإلى رحمة الله، ونُم قرير العين، تحفك الدعوات بأن يكون مقامك مع الخالدين في جنات النعيم.