عبدالله إبراهيم الكعيد
في انتظار الدور لمراجعة الطبيب. في وقت ما قبل إقلاع الطائرة. قبل دخول قاعة المحاضرات في الجامعة. في انتظار وصول الحافلة أو القطار أو حتى أثناء من ننتظر وصوله لموعدٍ مسبق وغير ذلك من أوقات الانتظار سواء نعرف موعدها بدقة أو متروكة لـ(مسافة السكّة) كما يحلو للبعض قياسها.
فورة الميديا قد غيّرت سلوك الناس وتدخّلت في تغيير أنماط حياتهم، ولكن كيف تعاملت الشعوب المستهلكة لا المنتجة لها مع تلك الفورة. كيف كانت طريقة استخدامات الناس لتلك الوسائل الاتصاليّة الرقمية الحديثة؟
حسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس «فرنسيس بالْ» فإن المنتجات التقنية الرقمية أصابت البشر فيما يبدو بما يشبه الحُمّى.
أذكر في بداية دخول الهاتف الآلي (الثابت) لبلادنا استغل البعض حداثة تلك الوسيلة في إزعاج الآخرين بالاتصال العشوائي وحين يرد الطرف الآخر يبادر المُزعج بجملة (آلو..من ذا بيته) فإن كان صوتاً مرغوباً تبدأ حكاية المُعاكسة والغزل. لم تنتهِ تلك المُمارسة غير الأخلاقيّة إلا بعد إدخال تقنية كاشف الأرقام.
تغريدات رواد منصة (x) تويتر سابقاً، ومقاطع السناب وتيك توك وإنستغرام ومقاطع (اليوتيوب) وغيرها بجانب النكت والطرائف المتداولة عبر الواتساب تُعتبر كاشفاً دقيقاً لأي مجتمع وهذا ربما سيُسهّل على الدارسين والباحثين في العلوم الاجتماعية الوصول إلى حقائق لم تكن في متناولهم لو لم يُصب الناس بالحمى التقنوية.
تلك الحمى لم تُصب الكبار أو كما يحلو للبعض تسميتهم بالبالغين، بل (حرارة) الصغار التقنوية المرتفعة أشد وأنكى حيث لا تنفع معهم أي مسكنات أو ملهيات فالتعلّق بمنتجات التقنية الرقمية لديهم قد يصل لما يشبه الإدمان. المدمن الصغير المصاب بحمى التقنية يصعب علاجه إذ ينشأ وقد تغلغل التعلّق بها في ممارساته اليومية ومزاجه وحتى في ذهنه وتخيلاته. تتفق جُل الدراسات التي أُجريت عن إدمان الإنترنت على أن أكبر عدد من المدمنين على الإنترنت هم من الذين تقل أعمارهم عن عشرين عاماً.
حسناً، لا أظن بأن الأهل يجهلون الآثار الجانبية لتلك الحمى التقنوية على صغارهم فقد سمعوا التحذيرات تلو التحذيرات ووقعوا في حيرةٍ وبعض الأحيان عجز أمام هذا المأزق، لهذا أقترح على كل من يسأل/ تسأل عن أمثل الحلول أن يبادروا باستشارة أهل الاختصاص (أطباء النفس) قبل اتخاذ قرار المنع وحرمان الصغار بشكل فجائي من استخدام الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية وغيرها في التسلية واللعب حتى لا تحدث لديهم صدمات نفسية جرّاء ذلك الحرمان.
الإنترنت ومنتجاتها (أسر) قد وقعنا فيه جميعاً المهم كيفية التعايش مع ذلك الأسر بأقل قدر ممكن من الأضرار.