فضل بن سعد البوعينين
هل هناك اتفاق على تعريف «أمن الطاقة»؟، أم أن التباين فيه، ديدن فلاسفة الغرب الخاضعين لأهوائهم، ورغباتهم وربما «أنانيتهم» التي تدفعهم لتجاهل مصالح الدول والشعوب، من أجل تحقيق مكاسبهم المالية والاقتصادية وأهدافهم الإستراتيجية.
فما يشهده العالم من تحيز ضد الطاقة الهيدروكربونية، ومحاولات مستميتة لفرض تشريعات دولية تؤثر سلباً على أمن الطاقة، وتهدد مستقبل الدول المنتجة واستثماراتها وشعوبها ومصالحها القومية، بحجة التغير المناخي، يتعارض مع أهم متطلبات تحقيق أمن الطاقة، «التي تكون فيها إمدادات الطاقة متوافرة في كل الأوقات وبأشكال متنوعة ومتعددة وبكميات كافية وبأسعار مناسبة ومعقولة».
التطرف في التعامل مع ملف «التغير المناخي»، وفرض سياسات مقوضة لأمن الطاقة واستدامتها واستقرار أسعارها، يقود العالم نحو فجوة إمدادات، وعجز متوقع عن تلبية الطلب العالمي كنتيجة للحد من الإنتاج، لأسباب تشريعية صرفة، أو اختيارية، بسبب خوف الدول المنتجة، أو المستثمرين من متغيرات المستقبل، ما يتسبب في وقف التدفقات الاستثمارية على قطاع الطاقة الهيدروكربونية، وإعادة توجيهها لقطاعات أخرى محققة للمنفعة الاقتصادية، ما يعني شُحاً في إمدادات الطاقة، وارتفاعاً حاداً لأسعار النفط، وتأثراً كبيراً للاقتصاد العالمي الذي يعاني من تحديات عميقة توشك أن تتسبب له بأزمة عالمية تفوق في تداعياتها أزمة العام 2008.
التحول غير المدروس للطاقة النظيفة، قبل جاهزيتها وكفاءتها وكفايتها، والتحيز ضد الطاقة الأحفورية وسن التشريعات المؤثرة سلباً عليها، سيجعل العالم في مواجهة حتمية مع أزمة إمدادات تتسبب في مشكلات عميقة للدول المستهلكة، والاقتصاد العالمي.
فمحدودية الإنتاج من مصادر الطاقة المتجددة، وعدم قدرتها على تلبية الطلب ترفع من حجم المخاطر، خاصة وأن حجم الإنتاج الحالي لا يمكنه تلبية الطلب المتنامي مستقبلاً، كما أن نسبة زيادة الإنتاج في الطاقة الهيدروكربونية قد تكون أقل من نسبة النمو المتوقع في الطلب مستقبلاً، وهو ما تتجاهله دول الغرب حين محاولتها فرض سياسات مجحفة ضد الطاقة الهيدروكربونية، أو استهداف دول أوبك، وأوبك+.
مع الإيمان التام بالتحديات البيئية، وأهمية معالجة التغير المناخي وفق رؤية علمية وإستراتيجية منضبطة، نجد أن التناقض و الانتهازية، وغياب المصداقية، هي الصفات الغالبة على تعامل الدول الغربية مع قضايا المناخ الطارئة.
وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، قال في جلسة حوارية بعنوان «أمن، ومستقبل الطاقة والتنمية المستدامة»، «نؤمن بحقيقة أزمة المناخ ولكننا نؤيد التعامل معها بحسب أولويات الدول»، مؤكداً بأن المملكة تؤمن بالتغير المناخي و»قضيتنا هي كيف نهتم بهذه القضية بشكل عادل ومنصف»، و»أنه لا يمكن التضحية بأمن الطاقة لصالح التغير المناخي والعكس صحيح».
وهذه الحقيقة التي يتجاهلها الغرب عمداً، لتركيزهم على مصالحهم، وأهدافهم الإستراتيجية بمعزل عن مصالح الدول والشعوب. أنانية وتحيز فاضح ضد الدول المنتجة، في الوقت الذي تعجز فيه غالبية الدول المستهلكة محدودة الدخل، عن تطوير منظومة طاقة متجددة، أو توفير تكاليفها المرتفعة، ما قد يعيدها إلى مصادر تقليدية أكثر إضراراً بالبيئة من النفط والغاز.
الاستدامة وأمن الطاقة تتطلب الكثير من العقلانية والعدالة وإعادة النظر في منهجية التعامل مع ملف «التغير المناخي»، وبما يحقق التوازن الأمثل بين أمن الطاقة، والاستدامة البيئية ومصلحة المناخ، وهو ما تقوم به المملكة بكفاءة، وفق إستراتيجية عملية محققة لمتطلبات البيئة وأمن الطاقة التي تعتبر من أهم ممكنات التنمية الاقتصادية.