د. فهد صالح عبدالله السلطان
يبدو أن نسبة كبيرة من جمهور المستهلكين في المجتمع الخليجي يميلون غالباً إلى الاستهلاك على حساب الادخار وربما يستنزفون نسبة كثيرة من إيراداتهم على شراء أشياء غير ضرورية، وقد يكون ذلك بقروض شخصية.
فعلى سبيل المثال، تظهر البيانات الإحصائية الاستطلاعية ارتفاعاً ملحوظاً في مستوى القروض الاستهلاكية «الشخصية» في المملكة حيث بلغت خلال العامين 2022 و2023 على التوالي نحو 478 و469 مليار ريال. وهو وإن كان مؤشراً إيجابياً على الحركة الاقتصادية ونمو السوق إلا أن هناك سقفاً اقتصادياً ينصح خبراء الاقتصاد بأن لا يتجاوزه الصرف الاستهلاكي، وذلك حتى لا يفضي إلى أبعاد اقتصادية ومالية غير محمودة على المستهلك وعلى الاقتصاد الوطني بوجه عام.
ولعل مستجدات العصر ومتغيراته ساهمت كثيراً في الاتجاه نحو الصرف الاستهلاكي.. والتي تشمل فيما تشمل:
1 - توفر وسائل التمويل الشخصي وسهولة الحصول على قروض شخصية استهلاكية.
2 - توفر بدائل الشراء مثل الشراء الإلكتروني وسهولة الوصول إلى السلع والخدمات الاستهلاكية.. حيث أظهر الاستطلاع العالمي لآراء المستهلكين في الشرق الأوسط - الإصدار السادس، ارتفاع عدد المشترين الذين يعتمدون على التكنولوجيا في المملكة. فقد أبدى 62 % من المستهلكين في المملكة رغبتهم في أن يكونوا أول من يشتري الوسائل التكنولوجية المتطورة بمجرد توفرها وأول من يُجرّب أحدث الوسائل التكنولوجية قبل معظم الناس الآخرين.
3 - ازدياد مروجي السلع والخدمات عبر الإنترنت والسوشل ميديا، وتأثيرهم على سلوك المستهلك.
4 - توفر وسائل إيصال السلع إلى موقع المستهلك النهائي وبأسعار محتملة وزمن قياسي.
5 - تغير ثقافة المستهلك.. حيث يبدو أن المستهلك - خاصة النساء - يميل إلى الصرف الاستهلاكي الترفي على حساب الاستثمار والادخار (رأي شخصي غير مدعوم علمياً).
كل ذلك قد يفضي إلى نتائج غير محمودة على المستهلك وعلى الاقتصاد الوطني في ذات الوقت.
فبالنسبة للمستهلك، قد يؤدي الإفراط في الصرف الاستهلاكي الترفي إلى زيادة القروض الشخصية عليه بدرجة غير محتملة اقتصادياً، مما قد يفضي إلى محاذير كثيرة لا تخفى على ذي بصيرة. وبالنسبة للاقتصاد الكلي فإن الاستهلاك المفرط قد يؤول إلى زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية مما يؤدي إلى طلب عالٍ يطارد سلعاً وخدمات محدودة وهو ما يؤول في نهاية المطاف إلى ارتفاع مستوى التضخم غير المرغوب اقتصادياً. وباختصار فإن الميول الاستهلاكية تكون محتملة اقتصادياً إلى حدٍّ معين فإذا تجاوزت ذلك الحد أصبحت عبئاً على الاقتصاد، وقد يؤدي ذلك إلى الركود الاقتصادي.. كما أنها تكون عبئاً على المستهلك مما قد ينتهي به إلى العجز المالي وعدم القدرة على إطفاء القروض، أو حتى الإفلاس لا سمح الله ولذا فإنه يحسن تذكير المستهلكين من الشباب والشابات ببعض الأمور التي قد تساعدهم في تحجيم الصرف الاستهلاكي وإدارة ميزانيتهم الشخصية والأشرية بشكل أكثر توازناً:
1 - حاول/ي اتخاذ قرار صارم مع ذاتك في تبني سياسة الادخار والحد من الاستهلاك الترفي بقدر الإمكان.
2 - إعداد ميزانية سنوية في بداية العام تشمل الإيرادات المتوقعة والمصاريف المتوقعة (بما في ذلك أقساط القروض وخدمة الدين). وذلك حتى تكون على بينة من أمرك وتبتعد بقدر الإمكان عن الوقوع في مخاطر مالية غير محمودة.
3 - من خلال بيان المصروفات والنفقات المتوقعة تعرف على النفقات التي تستهلك ميزانيتك بشكل كبير وتؤدي إلى تآكل مدخراتك، وسجلها في قائمة مستقلة.
4 - ستلاحظ أن المصروفات غير الضرورية أو الترفيه هي التي تحرق ميزانيتك وربما تمثل ما نسبته 30-40 % من ميزانيتك.
5 - تأكد أن أي قرض استهلاكي سيكون عبئاً مستقبلياً على ميزانيك الشخصية وسيحد من قدراتك المالية والشرائية في قادم الأيام.. ولذلك يستحسن عدم الانجراف وراء القروض الشخصية الاستهلاكية الميسرة.
6 - التخلص أو على الأقل الحد من المصاريف غير الضرورية.
7 - التخلص بقدر الإمكان من متابعة كثير من مروجي السلع والخدمات عبر السوشل ميديا والجري وراءهم.
8 - عدم الإفراط في متابعة ما يعرض على مواقع البيع الإلكترونية.
9 - الحد من ارتياد الأماكن المحفزة على الصرف كالمولات وأماكن التسوق العامة إلا للضرورة. والاستغناء عنها بالحدائق العامة أو الرحلات البرية أو الشواطئ للمقيمين في المناطق الساحلية ....الخ
10 - الحد بقدر الإمكان من الأكل في المطاعم مرتفعة التكلفة والإفراط في ارتياد الكافيهات.
11 - التخلص من الإسراف في ولائم الضيافة. فرضا الخالق مقدم على رضا المخلوق، والله سبحانه «لا يحب المسرفين».
12 - التأكد من أن ما يوضع على طاولة الأكل من طعام وشراب يكون بقدر الحاجة الفعلية للضيوف أو لأهل المنزل.
13 - عدم اقتناء الأدوات أو الملابس التي لا تستخدم أو تلك التي لا تضيف قيمة.
14 - العزم على ترشيد نفقات الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء ووقود السيارة والهاتف النقال بنسبة لا تقل عن 20-30% شهرياً وهو أمر ممكن وتؤكده التجارب العالمية...الخ
15 - لا تشتري أشياء فقط لترضي بها الآخرين أو تجذب انتباههم. فذاك أمر مؤقت ولا يضيف لك أو لأسرتك أي قيمة. يقول ويل روجرز «الكثير من الناس ينفقون أموالاً طائلة، ليشتروا أشياء لا يحتاجونها، ليجذبوا انتباه أشخاص لا يحبونهم».
16 - عندما تعتزم شراء أشياء كمالية ثمينة قم بتأجيل الشراء لوقت لاحق. أسبوع أو شهر. ستكتشف أن ذلك الشيء غير ضروري وربما تتراجع عن شرائه كلياً.
17 - تخلص تماماً من سباق ومنافسة الهدايا الأكثر قيمة. واكتفي بالهدايا الرمزية وستجد أن ذلك لم يغير في علاقاتك الاجتماعية أي شيء.
18 - عندما تضطر لشراء مستلزمات الأسرة من غذاء وغيره حاول أن تشتري أدنى كمية، تلافياً للإسراف أو خسارتها بسبب انتهاء الصلاحية. وكما يقول المثل الصيني «لا تتسوق وأنت جائع».
19 - حاول أن تستفيد من الخدمات التي تقدمها الحكومة بدون مقابل كالعلاج والتعليم وغيره، وهي في الواقع خدمات حكومية متميزة وعالية الجودة.
20 - البعد عن التكلف فقديماً قالوا (التدبير نصف المعيشة).. الاكتفاء بالضرورات والاستغناء عما دون ذلك.
21 - العزم على عدم شراء أو حيازة أية مستلزمات نسائية مرتفعة القيمة لا لسبب سوى علامتها التجارية.. يقول وزير التجارة الفرنسي السابق (الماركات هي أكبر كذبة تسويقية صنعها الأذكياء لسرقة الأثرياء فصدقها الفقراء). وحاولي استثمار المبلغ المزمع إنفاقه في أدوات استثمارية من شأنها زيادة دخلك وملاءتك المالية.
22 - عندما تعتزم أخذ قرض استهلاكي تأكد أن لديك القدرة والملاءة المالية لتسديده. وأن دخلك الشهري يفوق مصاريفك.. لأن الغني من زاد دخله عن مصروفاته، والفقير من قل إيراده عن مطلوباته.
23 - جرب متعة الادخار، وضع هدفاً للتوفير بما لا يقل عن 10% من دخلك. واحرص على استثماره مهما قل. ستجد بعد فترة وجيزة أنك أصبحت أكثر متعة وأكبر ثقة وملاءة وقدرة.
والله الهادي إلى سواء السبيل،،،،