أدار الندوة - علي اليامي - نزار عبدالخالق:
في هذه الندوة تم تركيز الحديث فيها على جوانب مهمة من مستهدفات الرؤية الشاملة، وهي الجوانب الاجتماعية والثقافية والإعلامية وذلك لتعزيز مشاركة المواطن والقطاع الخاص بشكل أكبر في تحقيق مستهدفات الرؤية، حيث إن رؤية (2030) وسعت مساحات العطاء من خلال المستهدفات العديدة، ومنها جودة الحياة والتطوع والإصحاح البيئي والسياحة والترفيه وتيسير الشراكات، وتعزيز دور المرأة في المجتمع، وعلاقة المواطن بقيادته، ومن أهم مستهدفات الرؤية الوصول من خلال التعاون والتلاحم إلى نسيج قوي لمجتمع حيوي.
وقد شارك في هذه الندوة نخبة مختارة من المهتمين بهذه الجوانب.
وفي بداية الندوة تحدث عضو مجلس الشورى السابق الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله المشيقح، عن دور أصحاب المال والأعمال تجاه المجتمع، قائلاً:
قامت الدولة السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- على مجموعة من المثل والقواعد التي جسدت مفهوم الجسد الواحد للأمة، فظهرت بوادر ذلك مبكراً، من خلال التكافل والتضامن الاجتماعي بين أفراد المجتمع ومؤسسات الدولة لتكون لبنة أساس لهذه التعاضد واللحمة الوطنية التي يشد بعضها أعضاء بعض، واستمرت في الازدياد في العصر الزاهر.
وما رجال الأعمال إلا جزء أصيل من هذا المجتمع الطيب أهله ونباته، يشعرون بما يشعر به مؤسسات وأفراد المجتمع، فأخذوا على عاتقهم المساهمة الفاعلة في تنمية وتطوير مجتمعاتهم والمساهمة في خدمة هذا الوطن المعطاء بكل ما أوتوا من قوة، فتنوعت خدماتهم وأفكارهم ومساهماتهم ومبادراتهم الإيجابية وبرامجهم التطويرية فكل يجود على قدر سعته، فقدرات أصحاب المال والأعمال تتيح لهم ما لا يتاح لغيرهم من الأفراد في المجتمع، فهم الأقدر على المساهمة في التنمية والتطوير والخدمة المجتمعية.
ويعتبر العمل المجتمعي من أهم الوسائل المؤدية للمشاركة في النهوض التنموي لترسيخ المكانة القيمية وإرساء طبائع البذل والانتماء الوطني، حيث يكتسب العمل الاجتماعي أهمية متزايدة يوماً بعد يوم، لذا تعد المبادرات المجتمعية للميسورين التي تبشر بوعي تنموي واعد هي محصلة مجموعة من الأفكار والأطروحات التي تهدف إلى تقديم حزمة من المعطيات لتطوير العمل المجتمعي الدافع بفكره التنموي لخلق كل جديد مثمر ومحتوى مؤثر، وذلك بتفعيل مقومات التجديد لتوجّه تكافلي طموح من خلال تهيئة المناخ والأجواء المناسبة لدعم الهيئات والقطاعات غير الربحية وذلك بتوفير المستلزمات كافة التي تحتاج إليها المؤسسات المجتمعية حتى تستطيع من خلال هذا الفكر التنموي المتجدد على خلق روح التكاتف والدعم والدفع بقوى الترقي والنماء المنشود للكثير من الأعمال المجتمعية والوطنية التي توجه قدراتها كافة وتلاحم كوادرها إلى عمل نهضوي مجتمعي رائد.
وقد شهدت المملكة العربية السعودية منذ بداياتها الأولى قفزة حضارية لتنمية المجتمع السعودي في ثوبه الوحدوي والمجتمعي منذ عهد التأسيس علي يد الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- الذي أرسى قواعد البناء والنمو، وتلاحم قوى المجتمع ومؤسساته كافة بشكل عام، ومؤسساته الخيرية بشكل خاص، والتي تنامت عبر الحقب والعصور بسواعد أبنائها من رجال الأعمال الوطنيين الذين حرصوا على دوام مسيرة النمو المجتمعي والخيري، وذلك بما تعهدوا به من مساهمات ذات طابع تكافلي على مستوى قطاعات الخدمات والمؤسسات المتنوعة، فأحدث ذلك حراكاً تنموياً وتعاضداً مجتمعياً، سار على قدم وساق في تسارع شمولي، وتضافر نهضوي للترقي والتقدم بعزائم وهمم من الموسرين من أصحاب رؤوس الأموال بفكر تنموي إيجابي.
ومع مرور الأعوام توافرت مقومات النمو والتطور، وذلك من خلال التوجه الحكومي الصائب المستنير، وبمشاركات أصحاب المال والأعمال الذين تباروا بكل همة وعزيمة نحو قمم الشموخ والنمو والتفرد، ولم يكتفوا بجني الأرباح من أعمالهم وتجارتهم ومنشآتهم، بل سَمَتْ وعلتْ أنفسهم فوق حاجاتهم ومن يعولوا إلى تقديم مصلحة الوطن العليا، فقاموا ببذل كل غالٍ ونفيس، متوشحين بدرع الوطن الخالد مملكة الإنسانية، فعمدوا متحفزين وعازمين على نهضة العمل المجتمعي، سبّاقين إلى دعم المؤسسات الرسمية الموجهة للصالح العام الذي يقدره ولاة الأمر والمسؤولون -حفظهم الله- فظهرت وترسّختْ بكل معنى وطني تكافلي هذه المؤسسات الأهلية المجتمعية التي دعمها وقام على نهوضها رجال صدقوا ما عاهدوه الله عليه تجاه وطنهم، وذلك بعد نمو مختلف المجالات الإنتاجية والخدمية بوضوح تام، عبر سنوات وحقب ما بعد التأسيس، فزخرت المملكة بالمنجزات التنموية كمًّا وكيفاً في شتى أنشطة القطاعات المجتمعية والخيرية التي نتجت عن منجزات اقتصاد مملكتنا الواعد الذي تسارع نموًّا وتطوراً خلال فترة زمنية قياسية علي يد القيادة الرشيدة التي توالت عبر سنوات العمل المتواصل، حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله-، من خلال فكر الرؤية الطموح، فكانت نهضة المؤسسات الأهلية والمجتمعية الشاملة التي جاءت بفضل من الله -عزَّ وجلَّ- ثم بالجهود المبذولة من أصحاب المال والأعمال الداعمين بكل محبة ووفاق وبذل سخي للعمل الأهلي والتنموي في ربوع المملكة، وذلك باتباع شتى الوسائل المحفزة والمتطورة لتزداد مملكتنا رقيًّا وتقدماً عاماً بعد الآخر، بجهود وجموع أبنائها المخلصين من الموسرين، وهم قائمون على قلب رجل واحد، ماضون على طريق التنمية والارتقاء.
ومن بين الأمثلة الكثيرة للعمل الخيري والمجتمعي لرجال الأعمال التي أردت أن أسلط الضوء عليه هو الوقف الخيري الذي عمد إلى تشيد أركانه وإعلاء كيانه، شكلاً ومضموناً، أبناء الوطن أصحاب الميسرة من أصحاب الأعمال؛ لكي يكون رافداً للعطاء الإنساني المنشود، ومثالاً لبث روح التآخي والتعاضد والتكافل بين مجتمعنا الذي أسس ورسّخ لهذا المفهوم الصائب الذي خرج من بين أدراب أرضنا الطيبة.
وتتنوع مساهمات رجال الأعمال في المجتمع بتنوع أفكارهم وأطروحاتهم واستثماراتهم، فهناك المساهمات الاقتصادية من خلال دعم وتوفير فرص العمل للشباب والتدريب، في الناحية العلمية المساهمة في إنشاء مراكز علمية ومراكز الدراسات والبحوث والكراسي البحثية في الجامعات، وإنشاء الجامعات والمدراس الخاصة، مما ينعكس على نمو وتطور العملية التعليمة والقائمين عليها، وفي مجال الصحة المساهمة في دعم المستشفيات والمراكز الطبية بالأجهزة الطبية والمستلزمات، والدورات التأهيلية وغير ذلك، وكذلك القطاع الخيري وغير الربحي الذي يعتني به رجال الأعمال عناية خاصة، حيث هو أكثر القطاعات تلقياً للمساهمات والدعم من رجال الأعمال، باعتباره شريكاً أساساً في علمية التنمية والتطوير المجتمعي.
وقد ازدادت تلك المساهمات، في ظل الرؤية الصائبة من حكومتنا الرشيدة تجاه تعزيز الأدوار والشراكات المجتمعية، وذلك إيماناً منها بالدور الرائد لرجال الأعمال في المساهمة في تطوير المجتمعات، وأن الحكومات والأفراد والمؤسسات تجمعهم غاية واحدة هي رفعة وسمو هذا الوطن المعطاء، فعملت على تذليل المعقوفات كافة، وإصدار تشريعات من شأنها تنظيم تلك الشراكات والمساهمة بشكل أمن وفعال، يضمن استمرارية التنمية في المجتمع.
ومما لا شك فيه أن العمل الاجتماعي والتطوعي قد شهد عدّة تغيّرات وتطورات في مفهومه ووسائله ومرتكزاته، وذلك بفعل المتغيرات التي حدثت في الاحتياجات اليومية والحياتية، وما يهمنا هنا هو التطورات التي انبلجت في وسائل وغايات وأهداف العمل الاجتماعي من خلال فكر الرؤية الواعد، فبعد أن كان الهدف الأساسي هو تقديم الرعاية الخدمية لبعض فئات المجتمع فارتقى وكبر الهدف ليصبح الآن العمل المرتكز على تنمية المجتمع ذاته، من خلال الدور الفعّال الذي ينبغي أن يقوم به رجال الأعمال، حيث يتوقف نجاح، وتحقيق ذلك الهدف على صدق وجديّة العمل الاجتماعي من لدن أصحاب رؤوس الأموال، وكذلك على رغبة المجتمع في إحداث تنمية حقيقية، ومن الملاحظ أن العمل الاجتماعي بات يعتبر إحدى أهم الركائز الأساسية، حيث يعتمد العمل الاجتماعي على عدّة عوامل لنجاحه، ومن أهمها المورد الاقتصادي المنشود من لدن المواطنين من أصحاب الأعمال الأوفياء، فكلما كان العنصر البشري متحمساً للقضايا الاجتماعية، ومدركاً لأبعاد العمل التطوعي والخدمي كلما أتى العمل الاجتماعي بنتائج إيجابية متقدمة وحقيقية، كما أن العمل الاجتماعي يمثل فضاءً رحباً، ليمارس أفراد المجتمع ولاءهم وانتماءهم وحبهم لمجتمعهم، كما يمثل العمل الاجتماعي مجالاً مهماً لصقل مهارات الأفراد وبناء قدراتهم لممارسة الأعمال الخيرية والتنموية، كما هو الحاصل في ربوع مملكة البذل والسخاء والعطاء.
وانطلاقاً من العلاقة التي تربط بين العمل الاجتماعي والموارد المالية فإنه يمكن القول إن العنصر البشري الممتد بجذوره في خضم العمل الاجتماعي هم القادرون في مجتمع مملكتنا الناهض، فحماس المواطنين لدينا وانتمائهم المعروف لمجتمعهم بالتحفيز على دعم ومساندة العمل الاجتماعي والخيري للرقي بمستوى محتواه ومضمونه للارتقاء والتنمية، فضلاً عن أدبيات وأطر العمل الاجتماعي التي تعمد للتطوير بما عهد إليها من مقومات، وذلك بتفعيل حزمة الخبرات والقدرات والمهارات لدى هذا القطاع لأصحاب الأعمال وهذه المقومات التي تتنامى نموًّا مطرّداً في مراحل عملهم المجتمعي والتنموي وهو ما نتج عنه واقعهم التكافلي المشهود هذا، ويهدف العمل الاجتماعي لإبراز الأهمية البالغة لتنمية القدرات الواعدة، وذلك بتنمية الاعمال والخدمات المجتمعية وتطويرها إلى المستوى العلمي والثقافي والفكري والخيري والخدمي، ويرجع الفضل -بعد الله عزَّ وجلَّ- إلى ولاة الأمر -حفظهم الله- والمسؤولين والقائمين على سن وتفعيل القوانين والأنظمة الخاصة بالمؤسسات الأهلية والمجتمعية التي تشجع القادرين على المشاركة بشكل فاعل في تنمية مجتمعنا الطموح تحت مظلة رؤية الخير الواعدة برعاية سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز عرّاب الرؤية وصانع أمجادها -حفظه الله-.
فيما تحدث الأستاذ الدكتور خالد بن عبدالعزيز الشريدة أستاذ علم الاجتماع بجامعة القصيم عن «جوانب من التنمية في القطاع غير الربحي وفق رؤية 2030» قائلاً: إن حب العمل الأهلي والخيري مغروس في مجتمعنا السعودي ومتجذر في مختلف مجالاته.
ونجاحات هذا القطاع في جميع مجالاته تؤكد دعم القيادة الرشيدة لكل مساراته وتفاعل المجتمع مع كل مؤسساته وجمعياته.
وتثبت مختلف الأرقام والمعايير التي تم اعتمادها لمأسسة العمل الخيري أنه من أسرع القطاعات انضباطاً وحوكمة، وأنها ساهمت بشكل فعال في صقل مهارات العاملين من جهة، وعززت قيم الانتماء والولاء والمواطنة للعاملين والعاملات فيها من جهة أخرى.
ومنذ خمسينيات القرن الماضي، كان للقطاع غير الربحي المؤسسي حضور متنامٍ في المجتمع المحلي، وفي قفزة زمنية جاءت رؤية السعودية 2030 لتغير هذا المشهد وتسرع وتيرة النمو في القطاع.
وما إن توفرت ممكنات العمل الخيري عبر تنظيم القطاع، وتسهيل الوصول إلى المستفيدين وفرص العمل الخيري، من خلال المنصات الرقمية حتى تضاعفت مساهمة المجتمع السعودي بمبادرات خيرية.
وتعددت سبل التبرع، وانتشرت روح التعاطف والعطاء في المجتمع أكثر من أي وقت مضى.
إذ تسعى رؤية السعودية 2030 إلى تكوين مجتمع حيوي بنيانه، متين، يتمتع بجودة حياة عالية وصحية، بروابط أسرية قوية في بيئة عامرة، ووطن طموح، مواطنه مسؤول، يتمتع بقيم راسخة، وشخصية متعلمة، معتز بالتراث والثقافة السعودية، ومحترم للقوانين، ومتعايش مع مكونات المجتمع كافة.
وإن القطاع غير الربحي من القطاعات التنموية المساهمة في رؤية 2030، والتي لها دور في تحقيق مستهدفاتها بما يحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وهو «القطاع الرابح» إشارة إلى الربح الثقافي، والربح الصحي، والربح التعليمي وغيرها من الأرباح المحققة في المجالات التنموية التي تتميز بالقيمة المعنوية ذات الأثر الاجتماعي، التي تؤكد على القيمة الأصيلة في القطاع غير الربحي التي لا تهدف إلى الربح المادي إنما إلى المساهمة في التنمية الاجتماعية.
ويتميز القطاع غير الربحي بشموليته، إذ تحظى المجالات كافة بإسهامه في تنميتها بما يحقق العائد الأعظم للمجتمع والإنسان، والأثر الأعمق في الاقتصاد الوطني.
ويأتي ذلك ضمن ما تستهدفه رؤية 2030 من القطاع غير الربحي، إذ تستهدف الرؤية رفع مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 % بحلول عام 2030م، وزيادة عدد المنظمات غير الربحية في مختلف المجالات التنموية، وزيادة عدد المتطوعين إلى مليون متطوع بحلول عام الرؤية.
فالقطاع غير الربحي في مجال التنمية المجتمعية والمتمثل في المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي.
يمكننا أن نطلق عليه مركز الأرباح فكل أعمالنا الدنيوية فيها ربح وخسارة..
إلا ما كان في وجوه الخير والبر والإحسان..
فتلك لا تمت لها الخسارة بصلة.
فاستشعاراً من القيادة الحكيمة لأهمية جهود ومشروعات وبرامج الجمعيات والمؤسسات الأهلية غير الربحية واحتياجها إلى عناية خاصة لتأكيد أولوية هذا القطاع في المجتمع السعودي الذي تسري في شعبه الكريم روح الخيرية؛ كان القرار الحكيم الذي استبشر به المجتمع وخصوصاً العاملين في هذا القطاع بإنشاء (المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي).
حيث أنشئ المركز بقرار من مجلس الوزراء رقم (459) وتاريخ 11-8-1440هـ؛ والذي يتمتع بشخصية اعتبارية؛ واستقلال مالي وإداري، ويرتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء.
ويهدف المركز إلى تنظيم دور منظمات القطاع غير الربحي وتفعيله، والتنسيق بين جهاته في المجالات التنموية، والعمل على التكامل والشراكة مع الجهود الحكومية.
وإيماناً من القيادة الحكيمة بأهمية الارتقاء بهذا القطاع وتطوير أدائه وتنمية موارده كان هذا التوجه المهم لإنشاء هذا الكيان المتخصص.
فهو الخيار الأمثل لتحقيق رسالة الدولة في جودة العمل الأهلي وتعزيز أدواره في التنمية الاجتماعية الأهلية.
ومن وجهة نظر المختصين في علم الاجتماع.. فإن الناس حينما يشعرون بأن لهم أدواراً في تنمية مجتمعاتهم وإشراكهم في ذلك؛ فإن هذا التوجه يعزز الانتماء الوطني فيهم ويقوي اللحمة بينهم في كل المجالات.
خصوصاً أن هذا القطاع يعنى بالشرائح التي تحتاج إلى وقفات خيرية وتنموية تجسد وتعزز من تكافل وتضامن المجتمع.
والمتابع للعمل الجاد والكبير للقطاع غير الربحي في مختلف مناطق المملكة من خلال الجمعيات والمؤسسات الأهلية الخيرية يلاحظ أموراً ثلاثة:
أولاً: مدى أهمية حضور هذا القطاع في واقعنا الاجتماعي.
وثانياً: مدى حاجة الناس له.
ثالثاً: أهمية جودة أدائه لشرف غاياته.
وكل ذلك ينعكس على آفاق تنموية تؤكد الاهتمام به، وتأكيد حضوره ودعمه من قبل الحكومة بكل ووزاراتها لأنه فعلاً شريك استراتيجي لتكامل الجهود مع الوزارات والمؤسسات الحكومية.
هذا المركز الوطني الفاعل في مجتمعنا السعودي يجسد في عمله وتعامله وإدارة ملفاته وآفاقه قيما يمكن إيجازها في هذه المنظومة الخماسية الرائدة:
1 - قيادة: حيث أسس هذا المركز من القيادة ليقود العمل الأهلي الخير إلى مكانته السامة في المجتمع؛ ويقف خلف أعمال هذا الكيان شخصيات من الإخوة والأخوات عرفوا بالحس الإداري التنموي الذي نلمسه في واقعنا الاجتماعي.
2 - ريادة: حيث نشاهد إبداعا في العمل وحوكمة في الأداء يسهل على المتعاملين مع المركز كل أعمالهم ويشعر الجميع بالرضا عن هذا الكيان.
3 - جودة: حيث يعتمد المركز على مؤشرات أداء وأنظمة جعلت من أعمال الجهات الخيرية والأهلية أنموذجاً في جودة وضبط وانضباط أعمالها وتعاملاتها.
حيث يصدر المركز مؤشراته الدورية لإيضاح طبيعة الإنجازات ومعدلاتها.
وهذه نقلة رائدة في عمل الجهات الخيرية.
4 - الاستدامة: حيث يعزز المركز أهم قيمة في بقاء الأعمال الخيرية في كل منطقة من خلال العمل على تنمية مواردها بالطرق التي تضمن استمراريتها وخلق الفرص لذلك.
5 - الخيرية: وهي غاية مقاصد المركز في تحقيق معنى الخيرية وتأكيد معانيها ومبانيها في مجتمعنا السعودي.
والمتأمل للأدوار الجبارة لهذا المركز الوطني الذي يدير ما يزيد على الأربعة آلاف بين جمعية ومؤسسة وصندوق ولجان أهلية وخيرية في مختلف مناطق المملكة يشعر بأن هذه الأدوار التي يقوم بها المركز، وكل الجهات المنضوية تحت مظلته إنما تقوم بمشاركة الجهات الحكومة في أداء مهامها، سواء في مساعدة المحتاجين في كل مناطق المملكة، وفي رعاية الأسر، والحد من حالات الطلاق، وفي تنمية مهارات الشباب، وفي العناية بالمعاقين والمساجين وفي حفظ كتاب الله -عز وجل- وفي شؤون مكاتب الدعوة، إلى غير ذلك من الأدوار التي يصعب حدها وعدها لآثارها المتنوعة في مجتمعنا السعودي.
كما أكدت حضور هذه الكيانات الخيرية في الأزمات خصوصاً أزمة كورونا.. وأدوار الجمعيات التي يشهد بها ولها الجميع.
ومن جميل ما قام به المركز -مؤخراً- جولاته في مناطق المملكة لتعزيز الوعي بأدواره، وتمكين كل المتعاملين مع المركز من استشاراته، إضافة إلى ما تحتويه الزيارات من ورش عمل في بناء القدرات والشراكات التي نعدها من أبرز الأساليب التنموية التي تعزز لغة التكامل والتنسيق بين الجهات عموما لحفظ وتوفير الجهد والمال والوقت.. بل إن هذا في الحقيقة ريادة ليس في فقط على المستوى المحلي، بل على المستوى الإقليمي والعالمي..
إذ يقدم الوطن ريادته في إدارة القطاع الثالث ليكون في ذلك قدوة.
ويزيد من جمال وكمال أداء هذا المركز البناء إنشاء مجالس للجمعيات الأهلية تقوم بأدوار التنسيق والتكامل وتمثيل وتمكين الجمعيات في كل مناطق المملكة؛ والتي تجسد بكل اقتدار منظومة التكامل الخيري في مجتمعنا السعودي.
وتحقق رسالة المركز وأهدافه التي رسمتها القيادة في ضوء رؤيتنا الوطنية الطموحة 2030 التي تؤكد على المبادئ الثلاثة: مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، وطن طموح.
وحينما نتأمل هذه المبادئ الثلاثة نجد أن منظومة العمل الأهلي والخيري بقيادة المركز الوطني تدعم كل ذلك بمختلف جهودها وبرامجها..
فما أجمل هذا التكامل بين قطاعات الدولة لتحقيق رؤيته التي تحقق الرفاه والأمن والتنمية لشعبه الكريم.
فيما تحدث الكاتب والإعلامي المعروف الدكتور أحمد بن حسن الشهري عن «الإعلام ودوره التنموي في المجتمع من خلال رؤية 2030» قائلاً: يهدف الإعلام إلى خدمة المجتمع وقضاياه، ويسعى إلى تحقيق أهداف وغايات اجتماعية تلبي حاجات المجتمع وتعمل على إشباعها، كما يسهم في ترسيخ الوعي المجتمعي بخطط التنمية وأهدافها، وفق سياسات وخطط إعلامية تجعل من الإعلام شريكاً فاعلاً في البناء والتطور من خلال برامج تنموية فاعلة، تأخذ في الاعتبار الأهداف العليا التي تسعى الدولة لتحقيقها وفق منظومة الإجراءات، والسياسات الإعلامية المحوكمة من خبرات ذات بعد قيمي وفكري وثقافي واسع يعمل على وضع أسس واضحة وثابتة قابلة للتحقيق مثل:
1 - تحقيق مستهدفات وخطط ورؤى القيادة العليا للنهوض بالوطن للوصول للتنمية المستدامة.
2 - تنمية الحس الأمني الوطني لدى المواطن والمقيم.
3 - محاربة وكشف الأفكار الهدامة التي تسعى لوقف التنمية وبرامجها.
4- خدمة التراث الوطني وإبراز تاريخ الوطن وما قام به المؤسسون من جهود بناءة لبناء هذا الكيان العظيم.
5 - توفير الثقافة المعرفية المطلوبة لفهم الإنسان ما يحيط به من ظواهر وأحداث.
من خلال هذه الأسس وغيرها استطاع الإعلام السعودي أن يكون فاعلاً وبناءً وهادفًا لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 وبرامجها المتنوعة المنطلقة من ركائزها الثلاث (مجتمع حيوي- اقتصاد مزدهر- وطن طموح) وهذا لم يتأتَ إلا بتبني سياسة إعلامية متنوعة، وهذا ما نشاهده في إعلامنا السعودي -والحمد لله- الذي استطاع مواكبة برامج الرؤية ومستهدفاتها فظهر لنا الإعلام السياسي والإعلام الاقتصادي والإعلام الأمني والسياحي والتجاري والرياضي، مما مكن هذه الوسائل من تغطية برامج الرؤية المتنوعة وفعالياتها ومناشطها التي تغطي المملكة وعمل على الاستفادة من الخبرات الخارجية من خلال الزيارات المتبادلة والابتعاث والتدريب حتى أصبح إعلامنا السعودي يشاهد في جميع بلدان العالم، ولا سيما أن المملكة تعد قطباً عالمياً على الصعيد السياسي والاقتصادي، وتقود محفظة استثمارية تعد من أكبر المحافظ في العالم، كما أنها تعد القطب الرئيس في ملف الطاقة الذي يسيّر الاقتصاد العالمي، ولذا رأينا إعلامنا يعكس هذه المكانة العالمية للمملكة من خلال الارتقاء بالمحتوى الإعلامي المستهدف، وفق سياسات مرنة تأخذ المتغيرات السياسية والاقتصادية في الحسبان.
كما أن الإعلام الرقمي السعودي قد حصد نجاحًا كبيرًا ليواكب النقلة النوعية في الثورة التقنية الحالية التي تتخذ من الرقمنة والذكاء الاصطناعي وسائلاً للوصول للجمهور أيًّا كان، وليس أدل على ذلك من المؤتمرات والمنتديات وورش العمل التي تستضيفها المملكة على مدار العام في مجال الاستثمار والأمن السيبراني والتقنية والإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي وعلوم الفضاء والبيئة والترفيه والآثار والرياضة والشباب، وغيرها من المجالات، مما جعل الإعلام السعودي يحقق الكثير من النجاح في إبراز وإنجاح برامج ومستهدفات الرؤية التي يقطف المجتمع السعودي والعربي والعالم ثمارها على مختلف الأصعدة.
فيما تحدث الأستاذ الدكتور حمد بن عبدالله الصقعبي أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بجامعة القصيم عن «الوقف ودوره في تنمية المجتمع وفق رؤية 2030» قائلاً: كان الوقف وما زال رافدًا ومحورًا أساسيًا من محاور التنمية والتمويل الاجتماعي في الإسلام عامة وفي مملكتنا المعطاءة خاصة على مدار قرون من الزمان، فقد استخدم في دعم وتمويل القطاعات كافة، والتخفيف من حدة المتطلبات عن كاهل الدولة؛ وذلك لأن الإحسان هو دأب وصفة ملازمة للمؤسرين من أبناء هذا الوطن المعطاء، وإن المال الباقي المثمر محبب عند الناس؛ لاستمرار غلته، ودوام نفعه، وقد ازداد الاهتمام بقضية الوقف والتمويل، وفق الرؤية الصائبة لحكومتنا الرشيدة، والتي أعطت الوقف ومصارفه عناية فائقة ساعدت على نموه واستثماره بما يكفل المساهمة في التضامن الاجتماعي والنمو والتطوير والخدمة المجتمعية وتعزيز التعليم والرعاية الصحية والعديد من الأنشطة الاجتماعية الأخرى، من خلال الشراكة المجتمعية وإنشاء هيئات ومراكز تحقق هذه الرؤية.
ويعرف الوقف لغة، يطلق الوقف ويراد به الحبس، تقول: وقفت الشيء وقفاً أي حبسته، وتقول: وقفت الدابة إذا حبستها على مكانها في سبيل الله.
وقد جاءت الشريعة الإسلامية بالحث على الوقف والتضامن والتكافل الاجتماعي والتعاون والتعاضد بين المسلمين في العديد من المناسبات، منها قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران: 92].
وقوله تعالى: {مَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} [البقرة: 272]، وقوله سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 12]، وغير ذلك من الآيات التي تحث على الصدقة ودوام تنميها والانتفاع بها.
وقد رغب النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك قائلاً: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)) رواه مسلم، وقال النووي: فيه دليل الصحة أصل الوقف وعظيم ثوابه.
والصدقة الجارية محمولة على الوقـف عند العلماء، فإن غيرها من الصدقات ليست جارية، بل يملك المتصدق عليه أعيانها ومنافعها.
وللوقف مجموعة من الأهداف منها:
1 - التقرب إلى الله تعالى بالصدقة الجارية والثواب الذي لا ينقطع على حد قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له)).
2 - رعاية المؤسسات والمراكز الاجتماعية بالبناء والتشييد، والتخطيط، مثل: مراكز الأحياء الاجتماعية، والدور الخاصة بكبار السن، والدور الخاصة برعاية الأيتام والغذاء والدواء للعاطلين عن العمل والفقراء والمساكين.
3 - دعم المؤسسات الخيرية التي تهتم بتوفير الغذاء والدواء للعاطلين عن العمل والفقراء والمساكين، ومساكن إيواء ضرورية، وكسوة شمولية، ومستشفيات صحية، وأدوية طبية وغيرها.
4 - دعم ورعاية المؤسسات والجمعيات العلمية، وذلك بإنشاء المكتبات العلمية، وتوفير الوسائل التعليمية، وتهيئة المناخ التعليمي المناسب.
5 - تكاتف وترابط الأسر، وتأمين مستقبل الأسرة من خلال إنشاء الأوقاف الخاصة بهم، ولم شتاتهم، وجمع كلمتهم.
6 - رعاية أماكن دور العبادة من مساجد ومصليات وذلك بالبناء والترميم والصيانة.
ومن أعظم أهدافه ترسيخ قيم التضامن والتكافل والإحساس والأخوة والمحبة بين طبقات المجتمع وأبنائه كل ذلك لنيل مرضاة الله.
أما مرتكزات الرؤية المستقبلية لقطاع الأوقاف في المملكة العربية السعودية، فيشمل: تحديث الأنظمة وسن تشريعات مرنة تلائم الاحتياجات الحالية.
حوكمة قطاع الأوقاف وتعزيز الرقابة والشفافية.
تطوير العمل الوقفي والتوعية بأهمية الوقف.
تنمية الأعيان الوقفية وتقديم منتجات وقفية جاذبة تحفز على نمو وتنوع محفظة الأوقاف.
كفاءة إدارة الأعيان الوقفية، وزيادة العائد على استثمارها.
لإنفاق المتنوع لريع وغلات الأوقاف على برامج ذات أثر اجتماعي مرتفع.
ومنذ إقرار نظام الهيئة العامة للأوقاف بالمرسوم الملكي رقم م/11 بتاريخ 1437/2/26هـ لم تألُ الهيئة جهداً في رسم خارطة طريق واستراتيجية واضحة تساهم في تحقيق الهدف المناط بها، وهو «تنظيم الأوقاف والمحافظة عليها وتطويرها وتنميتها، بما يحقق شروط واقفيها، ويعزز دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكافل الاجتماعي، وفقاً لمقاصد الشريعة الإسلامية والأنظمة».
فالنمو المطرد في القطاع الوقفي هو إحدى دعائم التنمية المستدامة والهيئة تعمل على دراسة الوضع الراهن للأوقاف والتحديات والمخاطر التي تواجهها بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة والاستعانة بمكاتب استشارية متخصصة، واعتمدت في ذلك على أفضل الممارسات والمعايير الدولية، كما قامت الهيئة بتطوير آلية عمل بعد عمل المقارنات المرجعية وحددت مسارات العمل التي بموجبها ستتمكن الهيئة من أداء مهامها.
والهيئة العامة للأوقاف ستعمل على تنظم وتمكين قطاع الأوقاف وتسهل إجراءاته وتنمية وتعظيم أثره، حيث إن قطاع الأوقاف يعد من القطاعات المهمة التي أشارت لها رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وأنه يناط بها دور رئيسي في تحقيق الاستدامة للقطاع غير الربحي، وصناعة الأوقاف من الصناعات الواعدة، والتي ستساهم في التنمية والنهضة الاقتصادية التي تشهدها المملكة العربية السعودية.
وترتبط استراتيجية الهيئة بعدد من المستهدفات الواردة في رؤية المملكة العربية السعودية 2030 من خلال المساهمة في تحقيق عدد من الأهداف والمؤشرات تشمل: تعزيز القيم الإسلامية والهوية الوطنية- تمكين حياة عامرة وصحية- تنمية وتنويع الاقتصاد- زيادة معدلات التوظيف- تعزيز فاعلية الحوكمة- تحقيق الاستدامة للقطاع غير الربحي.
وقد تجلت عناية حكومتنا الرشيدة، ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان عرَّاب الرؤية -حفظهما الله-، بمنظومة الوقف في المملكة من خلال تحديث الأنظمة، وسنّ تشريعات مرنة تلائم الاحتياجات الحالية.
وتسهل وتسير الأمور على الواقفين، وشموليتها للعديد من القطاعات وتنوع خدماتها، مما كان له عظيم الأثر والنفع على خدمة وتنمية وتطوير ونماء المجتمع، ودعم وتعزيز الشراكات بين مؤسسات الدولة والقطاع غير الربحي.