مشعل الحارثي
لم تكد تجف مآقينا بعد ونلملم أحزاننا على وداع فقيد الطائف والأدب والصحافة الأستاذ عبدالرحمن المعمر حتى نزل علينا الخبر الآخر كالصاعقة برحيل أخينا العزيز وأستاذنا الأديب ونائب رئيس مجلس الشورى الأسبق معالي الأستاذ الدكتور عبدالله سالم المعطاني رحمه الله رحمة الأبرار وطيّب له الثرى وجعل الفردوس له سكناً ومأوى، ونور مرقده وآنس وحشته وعطّر مشهده.
والفقيد رحمه الله قامة سامقة ورجل دولة من طراز فريد ومرجعية أكاديمية رصينة وخدم وطنه بكل تفانٍ وإخلاص، وترك بصمات واضحة في العمل الوطني والاجتماعي والثقافي من خلال المناصب القيادية التي تسنمها سواء كرئيس لهيئة حقوق الإنسان بمنطقة مكة المكرمة أو في مجلس الشورى، أو داخل أروقة جامعة الملك عبدالعزيز بجدة كرئيس لقسم اللغة العربية فوكيل لكلية الآداب ورئاسة عشرات اللجان بالجامعة، أو كأستاذ زائر بقسم الدراسات الشرقية بجامعة انديانا بأمريكا، أو أستاذ موفد بقسم الدراسات الشرقية بجامعة واشنطن سياتل، أو ماساهم به على مدى خمسة عقود في المشهد الأدبي والثقافي السعودي وفي نادي جدة الأدبي، وتوليه رئاسة الهيئة الإدارية بجمعية الثقافة والفنون بجدة وعضوياته في تحكيم العديد من الجوائز الأدبية والثقافية المحلية والعربية، أو كمستشار ثقافي في الملحقية الثقافية بلندن، ومستشار ثقافي في البنك الإسلامي للتنمية وتلك الأدوار الاجتماعية المتعددة التي رأس فيها بعض الجمعيات الخيرية وذات النفع العام كاختياره كأمين عام لجائزة وقف القرآن الكريم بجدة ورئاسة جمعية مكافحة الإدمان ومشاركاته الفاعلة في الندوات والمهرجانات الوطنية والعربية وحضور المؤتمرات وما قدمه من نتاج فكري تمثل في عشرات البحوث والمؤلفات والدراسات.
لقد كان آخر لقاء جمعنا بمعاليه في ملتقى قراءة النص بنادي جدة الأدبي في أواخر شهر رجب المنصرم حيث كان هو الشخصية المكرمة في الملتقى وكان ليلتها في قمة البهجة والسرور وهو يرى مئات المحبين والأصدقاء القادمين من جميع مناطق المملكة وقد تجمهروا والتفوا حوله للسلام عليه وأخذ الصور التذكارية معه وكأنما هو لقاء الوداع الأخير، وقد أحسن نادي جدة إذ طبع كتاباً عن نفس المناسبة نثر فيه أصدقاؤه ومحبوه وعارفو فضله بعضاً من شجونهم وذكرياتهم معه، وقدم البعض منهم دراسات مختصرة عن جوانب من عطائه الإبداعي المميز ومنها الدراسة التي كتبتها عن ديوانه الشعري الوحيد (وجوه في الضوضاء) والذي ضم (34) نصاً شعرياً تمثل تلخيصاً لتجارب ومحطات متعددة في حياته خاصة فترة الاغتراب والبعد عن الأهل والأصدقاء والوطن.
وبين أربع محطات وأماكن محلية كان لها تأثيرها الكبير والواضح في مسيرة ومسار حياة فقيدنا -رحمه الله- فكانت الأولى العاصمة المقدسة مكة المكرمة مدينة المولد والنشأة مدينة البهاء والصفاء الروحي، ثم جدة مدينة العمل والحياة الأكاديمية في مرحلته الأولى والتي يحمل لها في قلبه كل ود ومحبة منذ صغره، إلى مدينة الرياض التي تسنم فيها أعلى المناصب والتقى فيها النخب من الأدباء والمفكرين وكبار المسؤولين، إلى مدينة الطائف التي تلقى بها جزءاً من تعليمه العام وكان لها تأثيرها في تكوينه الثقافي حيث كان يحرص كل الحرص على اقتناء الكتاب وارتياد مكتباتها التراثية المعروفة كمكتبة الشيخ محمد سعيد كمال، ومكتبة الشيخ محمد المؤيد، ومكتبة السيد علي قحوان التي كانت تتعامل مع الكتب والمجلات المستعملة وتحظى بزيارة وتوافد جحافل الأدباء والصحفيين وطلاب المدارس والمصطافين بما توفره من كتب معرفية وبأسعار زهيدة.
وأنا في غمرة وتلافيف هذا الخبر المحزن والمؤلم تذكرت في فضل فقيدنا وما يمتاز به من صفات وأخلاق عالية، ومكانة رفيعة، وعطاء كبير، تلك الأبيات المعبرة التي صاغها حباً وتقديراً وإعزازاً أخي وصديقي الدكتور يوسف العارف في مناسبة تكريمه الأخيرة بنادي جدة الأدبي حيث قال:
(عبدالله بن سالم) يفيض مورده
وإليه يهفو طالب ومريد
فمجالس الأداب يغشى جمعها
ويكون فيها عالم ومجيد
يا كم كسبنا من جميل علومه
وشيء تزخرف رائق وجميد
هذا الفتى(الهذلي)طاب أرومة
وسما على الاقران فهو فريد
وهذيل في التاريخ مجد راسخ
هم (عسكر البارود) ليس تحيد
أكرم بهم قوماً تبارك علمهم
الشعر والتاريخ والتوحيد
وكم سنفتقد ونحن نودع فقيدنا الأستاذ الدكتورعبدالله المعطاني تلك الروح البشوشة والحفاوة البالغة التي كان يمطر بها كل من يلقاه ويشعر الجميع إزاءها أنهم يقفون أمام قامة مختلفة إلا أنه سيظل في قلوبنا أكبر وأجل مما تبوح به المشاعر والزفرات، وتسطره الكلمات في الصحف والمجلات، ولا أملك في الختام إلا أن أتقدم بخالص العزاء وصادق المواساة لأسرته وقبيلته الكريمة وأخص بالعزاء شقيقه الأكبر الشيخ الدكتور فهد المعطاني وأبناء الفقيد بندر ومحمد وبناته وأحفاده وحفيداته وكافة أفراد أسرة المعطاني، سائلاً الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان، وأن يجعل ما ورثه من علم وعمل خير صدقة جارية عنه إلى يوم الدين.. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.