علي الخزيم
- هي مِمَّا يؤلم ويتكرر إيلامه بكل موسم ومناسبة اجتماعية، ويكثر الحديث عنه بالمجالس ووسائل التواصل والتدوينات والكتابات، غير أن الأثر المأمول لم يكن كما هو متوقع من تلك السجالات والنقاشات؛ وهذا مِمَّا يزيد العتب والأسف، ومِمَّا يدفع أهل النُّهَى وأصحاب النفوس الزكية والقلوب الخاشعة والعقول المُتبصّرة لمزيد من التأمل بمآلات ونتائج هذه القضية التي ربما باتت مستعصية اجتماعياً.
- لا يُلام المرء إن هو عاد لتناول هذا الموضوع للبحث عن طريقة لتجاوز المعضلة وتداول الآراء وصولاً لحلول تُنهِي هذا الوضع الذي ما زال قائماً ومُزعجاً ويخالف ما أوصت به شريعتنا الإسلامية السَّمحة، ويتنافر مع العادات والأخلاق العربية والإسلامية، وهذا سبب يكفي لحسبانها من القضايا الاجتماعية التي أعجزت الباحثين عن الحلول مع كل ما بذلوه من جهد يشكر - خَطَابةً وكِتابةً - للتنبيه لمساوئ قضيتنا هذه.
- وكان من بواعث هذه المسألة لتجديد الحديث عنها هو ما كان يُشاهد ويُمارَس خلال وجبات الإفطار والسحور وما بينهما أثناء رمضان المبارك؛ وبعده خلال أيام العيد السعيد - أعادهما الله على الجميع بالخير والبركات - فقد كانت المبالغة والإسراف عند الأكثرية بالأطعمة والمشروبات لافتة للانتباه بصورة غير مقبولة، ويجب أن نتحلى بالشجاعة ونقول الحقيقة عن أنفسنا؛ فربما نكون قد مارسنا هذا العمل!
- لماذا نكون قد مارسنا الإسراف والهدر بالطعام دون قصد؟ لأننا استمرأنا دوام النعم ووفرتها، وألِفنا رغد العيش والتَّنعم بالمأكل والمشرب والملبس والمركب، وما يماثلها من الأثاث والفُرش والرَّيَاش، وهذا ولله الحمد والمنَّة يعود لكرم الله علينا ثم النهج القويم للقيادة الرشيدة منذ تأسيس المملكة إلى يومنا الحاضر؛ فلم نجد سوى سعي المسؤولين بالمملكة لجودة الحياة بصفة عامة.
- لا يمكن أن يكون تَوَفر النِّعم مُبرراً للهدر والإسراف، فالله سبحانه بمحكم التنزيل نهانا عن ذلك؛ وكذلك بسنة المصطفى الكثير من الحث على الاتزان وترك تتبع الشهوات بما فيها كثرة الطعام دون سبب ومبرر وجيه يقتضي ذلك، وحتى بهذه الحالات يلزم تقديم ما يكفي دون امتهان للنعم وهدرها عبثاً وشَكلِيّات بلهاء باهتة، وتقليدًا أعمى ينم عن غفلة وجهل بعواقب الأمور، ولن يكون مقنعاً خلال رمضان الادعاء بأن الصيام يدفع للمبالغة لأن التجربة لم تكن ليوم أو أسبوع؛ بل هي سنوات تتتابع ولم نقلع عنها.
- من الحكمة أن نتخلَّص من عُقَد ما يُسمَّى بالعيب الاجتماعي وتحكّم العادات وبعض التقاليد البالية التي لا سند لها ولا تفسير منطقي يؤيدها، فالعودة للعقل والبساطة بالأمور من دلائل حَصَافة المرء ورجاحة عقله، ولن نكون مُجبَرين على تتبُّع ما ينشره بعض القوم من صور المآدب وسُفَر الطعام تباهياً وسفهاً ولجاجة لا تجد القبول سوى عند من يُماثل المصور والناشر فكراً - وهياطاً - ممجوجاً، فالإنسان المُتزن العاقل الناضج يُعرف بسلوكه ومواقفه ومنطقه؛ دون هذه القشور من دعاوى الغنى والرفاهية، فربما مُستَعِرض بسفرته بينما الديون إلى ذقنه! فاعتبروا.