د. عيد بن مسعود الجهني
المضائق والقنوات البحرية لها دورها الاستراتيجي الأساسي في حركة التجارة الدولية ناهيك أنها تعد إحدى المقومات الهامة في المنظومة الدولية إضافة إلى دورها الإستراتيجي في دورة الاقتصاد الدولي.
تلك الممرات البحرية والنهرية تعد أهم عنصر في بناء الاقتصاد على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وبدونها تتعطل حركة النقل بين دول العالم وتنحسر (قوة) الاقتصاد والتنمية المستدامة.
إذاً هذه الممرات المائية الدولية بمفهومها البسيط تشمل المضائق والقنوات والأنهار، وقد نظمت استخدامها اتفاقيات عديدة منها اتفاقية برشلونة لعام 1923 التي تضمنت استخدام الأنهار التي يمكن استخدامها في الملاحة البحرية.
إضافة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن قانون استخدام المجاري المائية الدولية للأغراض غير الملاحية.
وجغرافياً فإن المضائق تعتبر ممرات طبيعية تصل بين بحرين.
هذه المضائق عرفتها المادة 16/ 4 من اتفاقيات جنيف عام 1958 قائلة بأن المضيق (ذلك الذي يخدم الملاحة الدولية ويصل جزءاً من البحر العالي بجزء آخر أو البحر الساحلي لدولة أجنبية)، والقانون الدولي وقانون البحار يجعلان المرور في المضائق حرّاً لمراكب جميع الدول وسفنها وليس للدولة صاحبة الإقليم أن تمنع المرور منه دون داعٍ، واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 نصّت صراحة على أن جميع السفن العابرة للمضايق الدولية مدنية كانت أو عسكرية من حقها المرور العابر دون تمييز أو عراقيل رغم أن تلك الاتفاقية أعطت الدول المطلة على المضيق حقوقاً محدودة لتنظيم المرور العابر من خلال المضيق، وبالطبع فإن السفن الناقلة للبترول تأتي في المقدمة.
وقد عرَّفت محكمة العدل الدولية المضيق الدولي في حكمها في قضية مضيق كورفو عام 1949بأنه الممر المائي الواصل بين جزأين من أعالي البحار والمستخدم لأغراض الملاحة الدولية، وأكدت المحكمة أنه من المسلَّم به وفقاً للقانون الدولي العرفي أنه يحق للدول إرسال سفنها عبر المضائق المستخدمة للملاحة الدولية والواصلة بين جزأين من البحار العالية من دون إذن مسبق من الدول الساحلية على أن يكون المرور بريئاً، ما لم يوجد حكم آخر في اتفاق دولي. كما لا يحق للدولة الساحلية أن تمنع مثل هذا المرور عبر المضائق وقت السلم.
أما اتفاقية جنيف لعام 1958م فقد وسَّعت من مفهوم المضيق الدولي ليشمل الممر الذي يربط جزءاً من البحر العالي بالبحر الإقليمي لدولة ما.
أما اتفاقية عام 1982م في المادتين 36 و37 حول قانون البحار فقد ميَّزت بين نوعين من المضائق المستخدمة للملاحة الدولية:
الأول: المضيق الذي يصل بين جزء من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة وجزء آخر من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة. ويُطبَّق بشأنه نظام المرور العابر ونظام المرور البريء.
الثاني: المضيق الذي يقع بين جزء من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة وبين البحر الإقليمي لدولة أجنبية، ويُطبَّق بصدده نظام المرور البريء فقط.
إذا القنوات والمضائق البحرية تلعب دوراً رئيساً في تسهيل حركة الملاحة الدولية، ولها مكانتها الإستراتيجية الهامة في عالم اليوم تتسابق الدول الكبرى محاولة السيطرة عليها لكي تتحكم بها لكونها عنصراً مهماً في الانتصار في الحروب وضمان تدفق السلع والخدمات وفي مقدمتها النفط.
ولنأخذ مثلاً حياً عندما جنحت السفينة (ايفر جيفن) في قناة السويس بتاريخ 23 مارس 2021 تسببت في عرقلة حركة الملاحة عبر القناة ولذا وضحت أهمية الممرات المائية حول العالم ودور النقل البحري في عجلة التبادل التجاري بين الدول وطبقاً لمصدر مهم موقع ستاتيستا الألماني:
إنه في العقدين الماضيين تضاعف حجم السلع المتداولة عبر الممرات المائية ليبلغ 11 مليار طن، وأن سلسلة الإمدادات حول العالم أصبحت ترتبط بمجموعة الموانئ الكبرى التي تتدفق السلع منها وإليها بصورة لا تتوقف.
وحسب الموقع القارة الآسيوية تحتل مكانة رائدة مؤثرة في التجارة البحرية حول العالم، ويمثل ميناءا شنغهاي الصيني وسنغافورة أهم موانئ الحاويات في العالم.
ويؤكد الموقع إن التقديرات الخاصة بتداول الحاويات من فئة «العشرين قدماً» أو «تي إي يو» لعام 2023 ربما تسجل 860 مليار حاوية.
ويتم تداول هذا الكم الهائل من الحاويات عبر سفن الشحن العملاقة التابعة لشركات الشحن العالمية. وتحقق شركات النقل البحري عائدات سنوية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.
في العالم العربي الغني بالنفط والغاز، فاحتياطي النفط في دول مجلس التعاون الخليجي لوحده يبلغ أكثر من 500 مليار برميل وإذا أضفنا إليه الاحتياطي في كل من إيران والعراق فإن ذلك يصبح أكثر من 836 مليار برميل.
وعلى الجانب الآخر فإن مجموع احتياطي الدول العربية يبلغ 710 مليارات برميل، وبهذا فإن احتياطي دول الخليج العربي ومعها الدول العربية الأخرى يمثل (62) في المئة من إجمالي الاحتياطي العالمي.
وهذا النفط تنقله السفن الضخمة عبر مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس إلى العالم، وبهذا فإن هذه المضائق وقناة السويس تعتبر رئة العالم التي تعبر السفن المحملة بالنفط يومياً بحمولات تبلغ أكثر من (18) مليون برميل يومياً، وهذا يبرز بوضوح قوة النفط العربي في سوق النفط الدولية تأثير على أسعاره واستهلاكه.
فمضيق هرمز هو النقطة المحورية حيث يمثل بداية نقل النفط عند مدخل الخليج العربي وهو المنفذ الوحيد للدول العربية التي تطل على الخليج العربي باستثناء المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان.
ويعتبر واحداً من أهم الممرات المائية لنقل النفط على المستوى الدولي، فمن خلاله تعبر يومياً حوالي (30) ناقلة نفط تمثل حمولتها حوالي (40) في المئة من تجارة النفط العالمية.
هذه الناقلات العملاقة تتجه إلى ممر مائي هام جداً في ديار العرب فمضيق باب المندب يعد من أهم الممرات المائية على المستوى الدولي، وتعتبر ميزات عرضه وطوله ذات فائدة كبيرة للسفن وناقلات النفط حيث يمكنها المرور بيسر وسهولة باتجاهين متباعدين متعاكسين.
كل هذه السفن والناقلات العملاقة تأخذ طريقها إلى أهم قناة بحرية على المستوى الدولي فقناة السويس تعتبر تتحكم في (40) في المئة من حركة السفن والحاويات في العالم وكذلك لربطها بين دول جنوب شرق آسيا وأوربا والأمريكيتين.
والقانون الدولي وقانون البحار يجعلان المرور في المضائق حراً لمراكب جميع الدول وسفنها وليس للدولة صاحبة الإقليم أن تمنع المرور منه دون داعٍ، والإتفاقية الدولية لقانون البحار لعام 1982 نصت صراحة على أن جميع السفن العابرة للمضائق الدولية مدنية كانت أو عسكرية من حقها المرور العابر دون تمييز أو عراقيل.
يتضح أنه طبقاً للقانون الدولي وقانون البحار والاتفاقيات الدولية.
وتعريف محكمة العدل الدولية للمضائق يجعل المرور البريء لجميع السفن التجارية والحربية وغيرهما في تلك الممرات والقنوات قانونياً أمراً حتمياً مادام أنه بريء.
وأي تهديد لهذه الناقلات والسفن العملاقة وغيرها يعتبر في ظل القانون الدولي وقانون البحار والاتفاقيات الدولية المنظمة للإبحار في هذه الممرات والقنوات، كما حدث مؤخراً في البحر الأحمر خرقاً للقوانين الدولية والاتفاقيات الدولية سالفة الذكر يجب أن يكون محل عقاب دولي.
وإذا أخذنا في الاعتبار الاعتداءات الحوثية على بعض الناقلات التجارية، وحرب الظل بين إيران وإسرائيل والتي انتهت بضربة إسرائيلية محدودة على هدف محدد في مدينة أصفهان لتنتهي المبارزة بين الفريقين.
كل ذلك ترك أثره على أسعار النفط لترتفع نسبياً لتبلغ (90) دولاراً لخام برنت، لتعود للتراجع بعد أن قللت إيران من فاعلية الرد الإسرائيلي.
والله ولي التوفيق،،،
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة