د. نعيمة بنت عصيد العنزي
أثار انتباهي في الآونة الأخيرة توافق أوراق علمية مع فيديوهات لأحد المزارعين ذوي الخبرة الكبيرة بالمملكة، كان لابد من الوقوف عند بعض الاستنتاجات. فقد نُشر بحث علمي حديث للعالم راو وآخرين (سنة 2024) بعنوان: التغيرات المستقبلية في نظام هطول الأمطار على شبه الجزيرة العربية مع التركيز بشكل خاص على دولة الإمارات العربية المتحدة: رؤى من عمليات محاكاة نموذج NEX-GDDP CMIP6. وضح فيه أن التغيرات المناخية تتجه نحو تحول الجزيرة العربية بما فيها كل دول الخليج إلى مناطق أكثر رطوبة وأمطاراً. وقد بينت هذه الدراسة أنه على المدى (2021- 2050) ستزيد نسبة الأمطار بنسبة 30 % وستواصل في الارتفاع إلى سنة 2080 ثم إلى سنة 2100. يبدو أن نتيجة هذه الأبحاث تتوافق مع ما تشهده المملكة من زيادة نسبة الأمطار للسنة الرابعة على التوالي. وبالتوازي مع ما تشهده منطقة الجزيرة العربية، وفي المقابل من الملاحظ أن دول شمال المتوسط تشهد خلال نفس الفترات موجات من الجفاف وتراجع نسبة الأمطار وهو ما يشهده للأسف دول المغرب العربي السنوات العجاف الأخيرة حيث تراجعت فيها نسبة الأمطار وتواصل الجفاف فيها للسنة السادسة على التوالي. ما يلفت الانتباه في هذا الشأن أن العديد من المزارعين بالمملكة العربية السعودية ذوي الخبرة الكبيرة والمتوارثة من الأجداد منذ مئات السنين حسب خبراتهم وتعاملهم مع النباتات أكدوا أن المملكة تشهد تحولاً كبيراً في نسبة الأمطار والرطوبة وهو ما سينتج عنه من تحولات كبيرة في النباتات من حيث الأنواع التي قد تندثر وأخرى قد تظهر، وأيضاً من حيث الممارسات الزراعية من تقليم وتسميد وغيره.
كل الأبحاث والتقارير السابقة بينت أن المملكة مرت بفترة جفاف طويلة بل حتى تراجع كبير في مستوى الأمطار وارتفاع في درجات الحرارة كما بينّاه في ورقتنا العلمية الأخيرة تحت عنوان (تراجع الموارد الشجرية في المملكة العربية السعودية: تغير المناخ أم أسباب هجوم الآفات؟ المنشورة في مجلة علوم الغابات مايو 2024) وذلك من 1990 إلى حدود 2020. بناءً على هذه المعطيات والدراسات تم تخطيط عدة مشاريع منها مشاريع التشجير وإعادة تأهيل المناطق المتصحرة بالمملكة. السؤال الذي يُطرح هنا: بما أن المملكة مقبلة على مشاريع تشجير ضخمة وبرمجة تشجير المليارات من الأشجار، ترى هل هذه الأنواع تتماشى مع هذه التغيرات الكبيرة إن صحت؟ هل الطلح بجميع أنواعه مثلاً، والذي يعرف بتكيفه مع الحرارة والجفاف والذي يمثل حجر الأساس في كل عمليات التشجير، هو الاختيار الصائب في مجرى هذه التحولات؟ أليس من الأجدر مراجعة الأنواع المزمع غرسها وإدخال على الأقل بعض الأنواع النباتية ذات الأهمية الاقتصادية الأكبر مثل الأشجار المثمرة؟ الكثير من الأسئلة في هذا المجال يجب أخذها بعين الاعتبار مع التغيرات المناخية.
على كل حال التمسك بمبدأ التنوع النباتي عند إعادة التأهيل والإعمار بات ضرورياً بل يجب الإكثار من الأنواع والأصناف حتى نضمن البقاء على أكثرها مهما تقلب المناخ. هذا بالإضافة إلى التنوع في المصادر العلفية للحيوانات وأيضاً تنوّع البيئات لعدة كائنات حيوانية هامة مثل الطيور والحشرات وأعدائها الحيوية لخلق بيئات متوازنة صحية. خاصة أن التنوع في النباتات يعني التنوع في فترات دورة الحياة من اخضرار وأزهار وأثمار وغيره. وهذا ما تضمنه نطاق زراعة الأشجار المثمرة في دراسات السعودية الخضراء. وفي الأخير لا نستطيع المرور على مثل هذه المواضيع دون التذكير مرة أخرى على وجوب إدارة النباتات الغازية وعلى رأسها المسكيت أو البرسوبس (Prosopis juliflora) الذي سوف يقضي على الأخضر واليابس وأيضاً على المتصحر والأخضر من مساحات المملكة العزيزة مع استمرار التغير المناخي المناسب لانتشارها وسيادتها.
** **
- جامعة حائل