محمد سليمان العنقري
زيارة الرئيس الصيني لأوروبا تمثل نقطة تحوّل مهمة للعلاقة بين الطرفين في هذا التوقيت المهم الذي يمر به العالم من حيث ضعف الأداء الاقتصادي وكذلك تزايد المخاوف من توسّع بالحرب الروسية الأوكرانية لتشمل أوروبا فكلاهما بحاجة الآخر رغم بعض الاضطرابات التي تشهدها علاقتهما فالاتحاد الأوروبي يتهم الصين بزيادة كبيرة بالإنتاج رغم قلة الطلب الداخلي في الصين وهو ما سيؤدي لإغراق الأسواق العالمية ببضائع ومنتجات رخيصة ستضر الصناعة الأوروبية خصوصاً في مجال صناعة السيارات الكهربائية والصلب بينما تتهمهم الصين بالحمائية وتقديم الدعم لصناعاتهم
اخنيار باريس لتكون محطة الرئيس الصيني في زيارته لأوروبا نابعة من أهمية العلاقة بينهما التي تمتد لعقود طويلة إضافة إلى أن فرنسا أكبر الدول بالاتحاد الأوروبي ولها الثقل العسكري والسياسي والاقتصادي الأكبر وهي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي وتأثيرها في القرار الأوروبي كبير جداً ومن ثم سيزور صربيا والمجر وهما دولتان ترتبطان بعلاقات مميزة مع الصين التي ضخت بهما استثمارات نوعية مهمة مثل مصانع بطاريات السيارات الكهربائية في المجر مع تمويل بناء سكة حديد لنقل البضائع من موانئ اليونان لتصل للعمق الأوروبي عبر بودابست عاصمة المجر لكن الأهم من كل ذلك أن المصالح الأوروبية بدأت تتحرك عن سياقها السابق الذي ترسّخ مع أميركا منذ الحرب العالمية الثانية تحديداً فأوروبا تريد أن تكون مستقلة عن مصالح أميركا وهي كما وصف أغلب قادتها ممن زاروا الصين سابقاً أنه ليس من مصلحتهم بناء العلاقة مع بكين وفق ما تراه أميركا من تنافس بينهما بل يجب أن تنطلق هذه العلاقة من واقع مصلحة أوروبا أولاً وخصوصاً أن التبادل التجاري بينهما يبلغ 738 مليار دولار بينما يصل بين الصين وأميركا إلى 664 مليار دولار ومع الطرفين تبقى الصين هي من يحقق الفائض بالميزان التجاري معهما.
إن الصين تمثل أهمية بالغة لأوروبا فهي سوق ضخم وتحتاج أيضاً للتكنولوجيا التي يمتلكها الأوروبيون بينما يمكن للصين أن تلعب دوراً مهماً في سلاسل الإمداد لأوروبا وكذلك ضخ استثمارات هائلة باعتبار أنها تملك أكبر احتياطيات مالية عالمياً وعلى الصعيد السياسي من مصلحة أوروبا تفاهم الصين معها على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية سريعاً ووقف احتمالات إطالة أمدها وتوسّعها وذلك استفادةً من العلاقة المميزة والمصالح الضخمة بين بكين وموسكو أي يمكنها لعب دور وسيط مؤثر لوقف الحرب إضافة لإمكانية بناء مصالح ضخمة بينهما تعيد تشكيل خارطة الاقتصاد العالمي وتدعم قوة اليورو واستعادة النمو الاقتصادي لأوروبا التي تعاني اقتصادياً من تحديات عديدة يمكن للصين أن تكون جزءاً من حلولها عندما تتوافق مصالح الطرفين وهو ما سيكون معززاً لتنوع الأقطاب المؤثرة بالعالم.
الصين وأوروبا على طريق جديد من ترابط المصالح وزرع الثقة بينهما مما سيساعدهما على تحقيق الأهداف التي يسعون لها ليكونوا مستعدين للتحولات الجذرية الكبرى في الاقتصاد العالمي وموازين القوى وتقليل سطوة الدولار والدور الأمريكي عالمياً واستعادة الاستقرار والسلم لأوروبا وهو ما يمهد أيضاً لعلاقة أوروبية روسية جديدة من خلال دور محتمل للصين في هذا الملف المهم لاستقرار العالم اقتصادياً وسياسياً.