د. علي القحيص
لا أدعي صداقة الراحل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن -رحمه الله-، (1949- 2024)، ولا أدعي أيضاً صداقة فنان العرب المطرب محمد عبده كما ذكر بعضهم، ولكن معرفتي لمهندس الكلمة بدر بن عبدالمحسن من خلال موهبة الرسم حيث دار بيننا نقاش عابر عن فنون الرسم ومدارسه وأروقته أثناء إقامة أحد معارضه الفنية إلا أن شعره السلس العميق أقوى من ريشته.
وكانت معرفتي بالفنان الكبير محمد عبده حين كتبت مقالاً موجه لمحمد عبده مفاده (اترك لنا أبو نورة وخذ أبو عبدالرحمن)!!
أقصد أن قديمه أقوى من جديده!
المهم ماكنت أرغب أن أكتب عن وداع الراحل الكبير البدر، وأكتفي بالرسم برحيله، لولا سماعي بكاء الاثنين معاً عبر الهاتف، حين يتبادلان الشكوى لله وحده على ما أصابهما من مرض خبيث نال منهما بعد أن وصلا النجومية.
وكل واحد منهما يشجع الآخر للإصرار على البقاء رغم المرض العضال، ويحق لهما أن يفتخرا بما أنجزا من أعمال أدبية وفنية رائعة وملهمة جداً وأغانٍ وطنية جميلة مهمة سبقت الآخرين بكلماتها وأدائها أثرت الساحة الفنية بما يمتلكه المسافر البدر من مهارة من بكر الكلمات والأبيات المترابطة المترفة بالتجديد والصور الشعرية الجميلة والوضوح في الأسلوب السلس بكلمات رقيقة غير معقدة توشح الوطن بالمشاعر المؤثرة الصادقة المبهرة المتفردة المتدفقة بالولاء والصدق والمحبة، حتى استطاع أن يجعل له مدرسة خاصة في عالم الشعر الشعبي وتصدر رواد حداثته بجدارة، بعد أن طور المفردة وروضها وأضاف لها رونقاً شعرياً خاصاً، لامس إحساس ومشاعر الناس وتفاعل معها المتلقي داخل وخارج المملكة لتصبح بوصلة لأصالة الأغنية السعودية التي أطرها بالأناشيد الرائعة.
مثلما أبدع المطرب محمد عبده بتلحينها وأدائها بصوته العذب الشجي، وجعل من هذه الكلمات العذبة لحناً وأداءً ولوناً للهوية الغنائية السعودية الخاصة المطرزة بالوصف والصورة تغنى بها الكثير من المطربين الخليجيين والعرب.
وكما قال الأمير خالد الفيصل: (الأمير بدر بن عبدالمحسن حالة استثنائية لاتتكرر.. ولو لم يكتب إلا «فوق هام السحب» لكفى ويكفي وهو أنشودة الوطن).
برحيل بدر بن عبدالمحسن المفاجئ الحزين المؤلم للجميع تنطوي صفحة مهمة من مخزون الشعر النبطي الحديث وغزارة كلمات الأدب الشعبي الرائع الأصيل،الذي استطاع أن يضع له خارطة طريق لا تشبه إلا البدر الذي غاب بعد عطاء أكثر من خمسين عاماً من الكتابة والإبداع والتميز، الذي جعله (بدر شاكر السياب السعودي)، ومثلما طور الشاعر الكبير السياب الشعر العربي الحديث، طور بدر بن عبد المحسن الشعر الشعبي الحديث وصاغه بلغة جميلة مفعمة بعبق الإرث وأصالة التراث الخالد.
بدر رحل وروحه تصعد فوق هام السحب.. لكن جسده يرقد في أغلى ثرى.. نرجو له الرحمة والمغفرة.. وأن تهب عليه هبوب رياح الجنة.. وأن ينعم الله بالصحة والعافية على رفيق دربه محمد عبده.. الذي أعلن عن سر مرضه حين غاب البدر!