محمد بن إبراهيم الحسين
اللغة العربية هي أم اللغات البشرية، وتعتبر أقدم اللغات وأكثرها أصالة وفصاحة وجمالاً، وهي لغة غزيرة الجذور متنوعة الاشتقاقات كثيرة الكلمات، فهي محيط واسع وبحر عميق تزخر أعماقه بالبلاغة، وتموج أمواجه بالفصاحة، ومن المؤسف أن تلك اللغة العظيمة تتعرض للإهمال الجسيم الذي وصل إلى حد اندثار بعض الكلمات وعدم فهم معانيها وتحوير بعضها لتعبر عن معاني مختلفة؛ مما يستلزم العمل الجاد لإعادة إحياء مفردات اللغة العربية المهملة وتوضيح معاني بعض الكلمات المجهولة وإعادة إدخال الكلمات المشتقة من اللغة العربية ككلمات عربية لا معربة..
يقول الشاعر حافظ إبراهيم في وصف عمق معاني اللغة العربية وغزارة كلماتها:
رموني بعُقمٍ في الشَّبابِ وليتَني
عَقِمتُ فلم أجزَعْ لقَولِ عِداتي
وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغايةً
وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلةٍ
وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ
أنا البحر في أحشائه الدرُ كامنٌ
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
ومن الأمثلة على إهمال اللغة العربية وفقد الكثير من كلماتها ونسيان الكثير من معانيها قصيدتي لبيد بن ربيعة والمرار بن منقذ، فتلك القصيدتين -على سبيل المثال- خير دليل على فقد الكثير من مفردات اللغة العربية؛ فمن ليس متعمقاً في اللغة العربية فإنه يقرأها دون فهم نصف كلماتها وكأنه يقرأ لغة أجنبية!!
وسيتم التطرق في هذا المقال لبعض الكلمات العربية التي أصبحت غريبة على أذن العربي وعصية على فهمه..
ورد في القرآن الكريم كلمات اندثر بعضها وتحور معنى بعضها، فأصبحت تعني غير ما نعتقد، ومن تلك الكلمات -على سبيل المثال- لا الحصر ما يلي:
الكفار:
قال تعالى: {كمثلِ غيثٍ أعجب الكفار نباته}.. ويقصد بالكفار في الآية الكريمة (المزارعين) الذين يكفرون البذور أي يغطونها بالتراب وليس (الكافرين) بالإسلام، فالكفر في اللغة هو التغطية، قال الشاعر لبيد بن ربيعة في معلقته:
يعلو طريقة متنها مُتَوَاترٌ
في ليلةٍ كَفَرَ النجومَ غَمامُهَا
كفر النجوم غمامها: أي غطى النجوم السحاب، ومن ذلك يتضح أن (الكفر) في اللغة العربية يعني (التغطية) و(كَفَرَ) الشيء (غطاه).
الجمل:
قال تعالى: {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط}. حيث (الجمل) المقصود في الآية الكريمة هو (الحبل) حبل السفينة الغليظ وليس البعير؛ فضرب المثل بدخول البعير في ثقب إبرة الخياطة يعتبر تشبيهاً غير معتاد ولا معنى له ولا دلالة به، حيث إن الجمل لا يدخل من ثقب الإبرة عادة، وليس له علاقة بالإبرة ولا بالخياطة لا من حيث الوظيفة ولا من حيث الشكل، ولكن تشبيه صعوبة دخول الكافرين للجنة باستحالة دخول الحبل العريض في ثقب إبرة الخياطة يعتبر تشبيهاً مقارباً، حيث إن الخيط الدقيق يدخل بسهولة في ثقب الإبرة بينما الحبل الغليظ يستحيل أن يدخل في ثقب الإبرة الصغير، والتشبيه من قواعده المقاربة مع المعتاد، ومما يؤكد هذا التفسير ويوضح هذا المعنى اللغوي، ما ورد في قوله تعالى: {إنها ترمي بشررٍ كالقصر كأنه جِمالةٌ صفر}. حيث الـ(جمالة) الواردة في الآية الكريمة هي جمع (جمل) وهو الحبل الذي تشد به السفينة ويسمى القَلْس، قال ابن عباس: (هي حبال السفن، يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون كأوساط الرجال).
و(صُفر) جمع (أصفر)، فتشبيه الجحيم بالشمس وهي أقرب الظواهر الطبيعية شبهاً بجهنم يعتبر تشبيهاً بليغاً ومقارباً، حيث تنطلق في الكون خيوط اللهب التي تنبعث عند كل انفجار شمسي كالحبال الصفر، وتمتد ألسنة اللهب إلى ملايين الأميال بعيداً عن سطح الشمس، قال أبو العلاء المعري في صفة نار قوم مدحهم بالكرم:
حمراء ساطعة الذوائب في الدجى
ترمي بكل شرارة كطراف
العجل:
قال تعالى: {خلق الإنسان من عجل}، حيث الـ(عجل) المقصود في الآية الكريمة هو (طين) وليس العجل بمعنى العجلة أو السرعة، قال الشاعر:
والنبعُ في الصخرةِ الصماءِ منبتهُ
والنخلُ ينبتُ بين الماءِ والعَجَلِ
أي ينبت بين الماء والطين.
الجرثومة:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: (الأزد جرثومة العرب).
الجرثومة المقصودة في الحديث الشريف هي (الأصل) أصل الشيء، وليس الجرثومة التي تصيب بالمرض، فالجرثومة في اللغة العربية تعني أصل الشيء ومصدره ومجتمعه.
كما نردد كلمات إنجليزية نجهل أنها مشتقة من أصول عربية ومنها ما يلي:
كلمة (Satellite) بالإنجليزية (ستالايت) تعني (قمر صناعي)، وبالعربية كلمة (ساتل) تعني (تابع)، والعرب أول من استخدم كلمة الساتل في علم الفلك دلالة على الأجسام الفضائية التي تتبع أخرى وتدور في فلكها وجمعها سواتل، فالقمر ساتل للأرض، وستل القوم ستلاً أي خرجوا متتابعين، وستل الدمع أي تقاطر وتتابع.
كلمة (Cover) (كفر) بالإنجليزية تعني (غطاء)، وتطلق على المطاط الذي يحيط بالعجلات وأغطية الهواتف والأجهزة الأخرى، وبالعربية كلمة (كفر) تعني (غطاء) و(الكُفر) يعني التغطية، و(كَفَرَ) الشيء غطاه، حيث اشتقت كلمة (Cover) بالإنجليزية من جذر (كفر) بالعربية، قال تعالى: {كمثلِ غيثٍ أعجب الكفار نباته}، فالمقصود بـ(المفار) في الآية الكريمة هو (المزارعين) الذين يكفرون البذور أي يغطونها بالتراب، قال الشاعر:
يعلو طريقة متنها مُتَوَاترٌ
في ليلةٍ كَفَرَ النجومَ غَمامُهَا
كفر النجوم غمامها؛ أي غطى السحاب النجوم.
كلمة (Bank) (بنك) بالإنجليزية تعني (مستودع الأموال)، وبالعربية كلمة (بنك) تعني (أصل) الشيء، تقول العرب: (رده إلى بنكه الخبيث) أي رده إلى أصله، و(تَبَنَّك) الرجل إذا صار له أصل ومال، قال الشاعر:
تبنَّك بالعراق أبو المُثَنّى
وعَلَّم قومه أكل الخَبِيصِ
كلمة (thread) (ثريد) بالإنجليزية تعني (سلسلة، نظم، نظم الخرز، تجزئة النص الطويل وتقسيمه لمقاطع متماثلة ومتسلسلة)، وبالعربية كلمة (ثرد) تعني (قطع)، يقال ثرد الخبز أي قطعه قطعاً صغاراً متماثلة، والثريد هو الخبز المقطع.
كلمة (GAP) (قاب) بالإنجليزية تعني (فجوة)، وبالعربية كلمة (قاب) تعني مقدار المسافة بين طرفي القوس، قال تعالى: {فكان قاب قوسين أو أدنى}.
كلمة (Double) (دبل) بالإنجليزية تعني (ضعف)، وبالعربية كلمة (دبل) تعني (ضعف)، قال الشاعر:
تُدَبِّلُ كفَّاهُ ويَحْدُرُ حلقه
إلى الصدرِ ما حازت عليه الأنامِلُ
وبناءً على ذلك أدعوا لإدخال الكلمات التالية في المعاجم العربية واعتماد استخدامهما ككلمات عربية الأصل لا معربة وهي كما يلي:
- كلمة (ساتل) بدلاً من مسمى (قمر صناعي).
- كلمة (كفر) مرادفة لكلمة (غطاء).
- كلمة (بنك) بمعنى (مستودع الأموال) بدلاً من كلمة مصرف التي يجب أن يقصر إطلاقها على محلات الصرافة المتخصصة بتغيير العملات.
- كلمة (ثريد) بمعنى (مقال مجزأ).
- كلمة (قاب) مرادفة لكلمة فجوة.
- كلمة (دبل) مرادفة لكلمة ضعف.
يلاحظ أن الكلمات الواردة في هذا المقال غريبة علينا ونجهل معانيها ومصادرها مما يعني أن لدينا جهلاً كبيراً ومعيباً باللغة العربية، ويجب إعادة إحياء الكلمات المندثرة وإعادة إدخال الكلمات المشتقة من العربية إلى معجم اللغة العربية وعدم إهمالها حتى لا تموت وتختفي من معاجمنا إلى الأبد.