خالد بن عبدالرحمن الذييب
يقال علمياً أن العقل الإنساني يتذكر حياته كشريط سينمائي قبل آخر 20 دقيقة من رحيله، وهي معلومة يصعب تصديقها، وكذلك يصعب نفيها، بسبب أن من مروا بهذه التجربة لم يعودوا أبدا ليحكوا لنا ما حصل فيها.
المعلومة بحد ذاتها مثيرة... والحديث عنها يلهب العقل بالتفكير... كيف ستكون آخر عشرين دقيقة في حياة الإنسان؟
هذه كانت فكرة كتاب اسمه «20 دقيقة» من إصدارات طوى للنشر والإعلام، حيث تم جمع «عشرين» قاصا وكاتباً للحديث عن هذه العشرين دقيقة من خيالهم، وربما كان اختيار عشرين كاتبا أمراً مقصوداً إذ يرمز للعشرين دقيقة الأخيرة في حياة الإنسان. شخصياً لست أدري من صاحب هذه الفكرة الإبداعية والتي يستحق صاحبها الشكر، ولكني استمتعت بما كُتب فيه، خاصة «مقالة» الدرعان، والتي وإن كانت جميلة إلا أن مشكلتها الا علاقة لها بموضوع الكتاب، فما كتبه الدرعان كان «مقالة» جميلة عن الموت، ولكن ليس عن آخر عشرين دقيقة للإنسان والتي حشرها على استحياء فيما كُتب، أما قصة ضياء يوسف فكانت «الأجمل» والتي تميزت بأنها لم تخرج عن موضوع الكتاب وبأسلوب جميل «دقيقة بدقيقة»!
أما عبدالله الحمدان، فقد «شطح» بفكرة عبقرية، إذ أخذ العقل يصور لنا آخر عشرين دقيقة لحياة صاحبه، حيث أخذ يتجول في المكان وتفاعُل الناس مع الحدث، أما الجسد فكان قابعاً في مكانه لا يتحرك، فقد أخذه الموت قبل أن ينهي ما يريد أن يكتبه عن آخر عشرين دقيقة. هذا أكثر ما شدني، أما البقية فتميزوا ولكن مشكلتهم لم يمتعوا بمقال خارج عن الموضوع مثل الدرعان، ولم يبدعوا في الكتابة عن الموضوع مثل ضياء، ولم يأتوا بفكرة جديدة مثل الحمدان..
جاء في بالي أثناء القراءة مرثية مالك بن الريب التي يرثي فيها نفسه، والتي يقول في مطلعها:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة....
بجنب الغضى أزجي القلاص النواجيا
والتي تعتبر من أفضل ما كُتب عن اللحظات الأخيرة لحياة الإنسان، ويصفها غازي القصيبي رحمه الله في كتابه «قصائد أعجبتني» بأنها «أعظم قصيدة في الشعر العربي كله قديمه وحديثه»، فقد كانت تعبّر عن مشاعر صادقة لإنسان كان يعيش لحظاته الأخيرة، والتي تبدو وكأنها «هلوسات» مكتوبة بنظم وبروح أدبية رائعة، وعندما أقول هلوسات ليس لعيب فيها، ولكن لتناقض الصور الشعرية فيها من تذكر إلى فخر وآسى، وحزن وفرح، وهذا يؤكد أن التناقض «أحياناً» يكون دليلاً على الصدق...
أخيراً...
هذه القصيدة كتبها شاعرٌ يحتضر...
ما بعد أخيراً...
مالك ابن الريب...
تحدث عن لحظات الحياة الأخيرة...
ودقائق الموت الأولى...
تذكرته عندما قرأت الكتاب...