د. تنيضب الفايدي
فيظهر مما سبق أن مسمى آبار النبي صلى الله عليه وسلم أطلقها مؤرِّخو المدينة على سبع آبار فقط، لارتباط كلّ منها بحدث تاريخي مشهور؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعذب ماءها، كما يؤتى الماء له صلى الله عليه وسلم من بعضها كثيراً، أما الآبار التي شرب منها الرسول صلى الله عليه وسلم عند مروره بها مرة أو مرتين فلم يدخلوها ضمن مسمى آبار النبي صلى الله عليه وسلم، بل ذكروها ضمن آبار مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، فآبار النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة ومتعددة؛ لأن من سكن المدينة يعتمد على ماء الآبار حيث لا توجد بها عيون أو مصادر الماء الأخرى كما هو ثابت قبل إجراء الماء من آبار في قباء التي تبعد عن المدينة آنذاك ما يقارب ثلاثة أميال، وذلك ضمن قنوات داخل الأرض من مروان بن الحكم (رحمه الله) أمير المدينة المنورة في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وذكر بعض الرحالة مسميات الماء القادم من قباء بأنها عيون لعدم معرفته بمصدرها، فمن أتى لاحقاً وكتب في تاريخ الآبار أو سقيا المدينة المنورة، عليه الالتزام بما أورده المؤرخون قبله؛ لأن ذلك يعتمد على من سبقوه، و اختيار عدد معين من الآبار وإسنادها إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى دليل ثابت، أما في العصر الحالي فإن مثل هذه الأمور من آبار ومسميات سواء تحديدها بالعدد أو المسمى أو الموقع فإنه مهما كان فإنها عرضة للخطأ؛ لأن جميع الآبار المعروفة تغيرت مواقعها أو هدمت وحفر غيرها خلال الفترة التاريخية الطويلة، بل البعض منها كانت غير معروفة في زمن السمهودي قبل خمسمائة عام كما ذكرته سابقاً، فكيف الآن؟! فتحديدها بـ (14) أو أكثر أو أقل يحتاج إلى برهان حيث أن كثيراً من الآبار مرّ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شرب منها أو من بعضها لم يذكرها المؤرخون أنها من آبار النبي صلى الله عليه وسلم، فالأجدر فيها الالتزام بما أورده المؤرخون السابقون، مثل السمهودي وهو الإمام والمرجع لجميع مؤرِّخي المدينة المنورة حتى اليوم، وقبله الفيروزآبادي وغيرهما.
وآبار النبي السبعة هي:
1 - بئر أريس أو بئر النبي صلى الله عليه وسلم أو بئر الخاتم:
من أشهر آبار المدينة، تقع أمام مسجد قباء على غربيه، وهي التي سقط فيها خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من يد أمير المؤمنين سيدنا عثمان رضي الله عنه وتسمّى بئر الخاتم، وتغسّل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بئر أريس، فعذب ماؤها بعد أن كان أجاجاً، وقد جاء ذكرها في حديث البخاري الطويل.
قال ابن النجار: «وذرعت طولها فكان أربعة عشر ذراعاً وشبراً، منها ذراعان ونصف ماء، وعرضها خمسة أذرع، وطول قفها الذي جلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه ثلاثة أذرع تشفُّ كفاً، قال: وهي تحت أطمٍ عالٍ خراب من جهة القبلة».
2 - بئر البصة:
ذكر ابن النجار: «هذه البئر قريبة من البقيع على طريق الماضي إلى قباء، وهي بين نخل، وقد هدمها السيل وطمَّها، وقفت على قفّها، وذرعت طولها، فكان إحدى عشر ذراعاً، منها ذراعان ماء، وعرضها سبعة أذرع، وهي مبنية بالحجارة».
وقد استمرت البئر بحال جيدة حتى القرن الحادي عشر الهجري، بناء على ما ذكره العياشي من أنه شرب واغتسل وتوضأ منها أثناء رحلته.
3 - بئر بضاعة:
بئر بضاعة تقع في دور بني ساعدة وبالقرب من سقيفتهم، وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلس في سقيفة بني ساعدة وَأُحضر له ماء من هذه البئر وشرب، ووقف الكاتب على بئر بضاعة عدة مرات، كما كان يذهب بطلابه إلى سقيفة بني ساعدة القريبة منها. أما الآن فالبئر غير موجودة ولكن مكانها معروف.
4 - بئر حاء ( بير حاء):
بئر وبستان كانت في شمال المسجد النبوي في العهد النبوي وما بعده، وهي عند باب المجيدي في التوسعة العثمانية، ولقد دخلت الآن في نطاق التوسعة الشمالية للمسجد النبوي الشريف وموقعها الآن على يسار الداخل من باب الملك فهد رقم (21).
5 - بئر رومة:
هي التي اشتراها عثمان بن عفان -رضي الله عنه - فتصدق بها على المسلمين فجعل الناس يستقون منها بعد أن كان ماؤها يباع، ولا يستطيع البعض دفع الثمن، وعندما اشتراها عثمان بن عفان -رضي الله عنه - أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: أتجعل لي مثل الذي جعلت له عيناً في الجنة، إن اشتريتها؟ قال: نعم قال: قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين. رواه البخاري
6 - بئر العهن:
قال المطري: بئر العهن هذه معروفة بالعوالي، ملحة جداً منقورة في الجبل، وعندها سدرة. أقول: بئر العهن بالعالية ولا زالت موجودة، ولكنها هدمت حيث طمرت بالصخور.
7 - بئر غرس:
تقع بئر غرس شرق مسجد قباء إلى جهة الشمال بمسافة تقدر بينهما نحو نصف ميل في وسط زراعي بين النخيل عرفت باسم البئر نفسه، وهي: حديقة الغرس، وهو اسم للمكان الذي تقع فيه البئر منذ القدم.
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم يشرب من بئر غرس، إذ يستعذب له منها، كما جاء أن رباحاً (أحد خدم النبي صلى الله عليه وسلم) كان يستقي للنبي صلى الله عليه وسلم من بئر غُرس مرة، ومن بيوت السقيا مرة أخرى.وهناك آبار أخرى في المدينة ذكرها العلماء بأن النبي صلى الله عليه وسلم شرب منها، لكن لم يدخلوها ضمن مسمى آبار النبي صلى الله عليه وسلم، منها: بئر ومسجد السقيا، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُستقى له الماء العذب من بئر السقيا، وفي رواية: من بيوت السقياء. وبئر اليُسيرة، وبئر أنس، وبئر ذرع، حيث قال السمهودي فيها بأن النبي صلى الله عليه وسلم شرب منها وبصق في بعضها وبرك بها.
وهناك آبار أخرى في المدينة أكتفي بذكر أسماء البعض منها لأهميتها التاريخية، وهي: بئر الأزرق، بئر أرما، بئر البجَرات، بئر بقع، بئر سُمنَة، بئر الشَّقِيقة، بئر عائشة، بئر العقبة، بئر العينية، بئر غاضر، بئر غَدَق، بئر بُقْع، بئر مِدْري، بئر مُطَّلِب، بئر الهجيم، بئر الملك.
لمن أراد أن يطلع على آبار المدينة فإن مرجعها الوحيد ما سبقه من كتب المؤرخين السابقين؛ لأن الآثار التي تتعلق بالأماكن لا يمكن أن تحدد في وضعها الحالي نهائياً، لاسيّما الآبار التي تندثر بين فترة وأخرى، والجرأة على إسنادها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعتبر جرأة غير محمودة، ولا علاقة لها بالبحث العلمي، ونذكر من تلك المراجع:
المغانم المطابة للفيروزآبادي، وفاء الوفا للسمهودي، سبل الهدى والرشاد للصالحي، الثقات لابن حبان، التعريف للمطري، الدرة الثمينة لابن النجار، الحقيقة والمجاز للنابلسي، تحفة الزوار لابن حجر، نتيجة الفكر لـ: زين العابدين، عمدة الأخبار للعباسي، معجم ما استعجم للبكري، شفاء الغرام للفاسي، تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام والمدينة الشريفة والقبر الشريف، لأبي البقاء، السيرة والشمائل، للنيسابوري، موسوعة الحرمين الشريفين لـ: أيوب صبري باشا، بئر رومة وقف، تأليف: عبد الله محمد الحجيلي، الآثار النبوية في المدينة المنورة.. بئر غرس أنموذجاً للدكتورة ريم بنت معيض الحربي، كتب الرحلات في المغرب الأقصى مصدر من مصادر تاريخ الحجاز في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين تأليف: عواطف محمد يوسف نواب، منشآت خيرية في المدينة المنورة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم للدكتورة خيرية محمد علي آل سنة، الأودية والآبار في مدينة المختار للدكتور تنيضب الفايدي.