د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
أَسعد وأُسعد بما يكتبه ابننا دكتور فهد بن عبدالله الخلف حفظه الله ووفقه، ومن هذا ما قرأته واستمتعت به المنشور في الجزيرة الثقافية الجمعة/السبت 17-18 شوال 1445هـ/ 26 أبريل 2024م. ع.18621. وعنوانه (خيالٌ لا ينقطعْ: قراءة في ألف ليلة وليلة)، والمقال يتحدث عن أمر طريف ولعل طرافته هي ما شجعت الدكتور الخلف على الكتابة الممتعة، قال «هذا عنوان كتاب مهمّ للدكتور سعيد الغانمي صدر منه ألف نسخة عن دار الرافدين في طبعته الأولى في يناير 2022م، وقد لفت نظري ضبط صيغة الفعل المضارع بالسكون في الغلاف الخارجي والداخلي، ولا أعلم أهذا الضبط من عمل المؤلّف أم من عمل الناشر؟ وجزم الفعل المضارع (ينقطعْ) هنا خلاف الأولى، فالذي يظهر لي أنّ (لا) في هذا السياق نافية لا تعمل في المضارع شيئًا من الناحية الإعرابيّة فيبقى مرفوعًا (خيالٌ لا ينقطعُ)»، والذي ينظر إلى صورة غلاف الكتاب يرى العنوان خطه خطاط والغالب أن السكون من عمل الخطّاط، كأنه أراد التأكيد على الوقف هنا. والدكتور الخلف ربما خطر له أن هذا من الخطأ الكتابي الذي قد لا تسلم منه عنوانات الكتب ولا متونها؛ وما أظنه أهمه الأمر لأول وهله ولكنه حين قرأ الكتاب لمعت في ذهنه الخاطرة اللطيفة التي أراد أن يعرضها بين يدي تسويغ هذا التسكين. ونقل لنا من نصوص المؤلف ما أوحت به فقال «يتّضح من النقول الثلاثة السابقة أنّ الخيال لم ينقطع عن تأليف حكايات ألف ليلة وليلة فكلّ راوٍ يضيف على ما قاله الرواة قبله محاولًا التفوّق عليهم وإضافة الجديد، وبالاستناد إلى هذا فجزم الفعل المضارع بـ(لا) الناهية في العنوان (خيالٌ لا ينقطعْ) له وجاهته، فكأنّ المؤلّف ينهى عن انقطاع الخيال الذي يُسهِم في إضافة حكايات جديدة، وتنوّع في الحكايات، ونموٍّ لها عبر الزمن»، ولكن هذه الطرافة يضعفها أمران أولهما أن المؤلف واصف ولا أحسبه يهمه زيادة حكايات (ألف ليلة وليلة) ولا الدعوة إلى ذلك، وآخرهما أن إسناد فعل النهي لغير المخاطب ضعيف قال ابن عقيل «والذي ذكره غيره، أن لا الناهية تدخل على المبني للمفعول، غائبًا كان أو مخاطبًا أو متكلمًا، نحو: لا يُضربْ زيد، ولا تُضربْ يا زيد، ولا أُضربْ أنا؛ وأما المبني للفاعل، فالأكثر دخولها فيه على ما هو للمخاطب، ويضعف للغائب والمتكلم»(1)؛ ولكن يمكن أن تبقى (لا) على بابها من النفي وتسويغ الجزم متابعة لبعض ما ورد عن العرب من جزم بلا النافية، قال الفراء «يصلح فِي (لا) عَلَى هَذَا المعنى الجزم. العرب تَقُولُ: ربطت الفرس لا ينفلتْ، وأوثقت عبدي لا يفرِرْ. وأنشدني بعض بني عقيل:
وَحَتَّى رأينا أحسنَ الْوُدّ بيننا … مساكتةً لا يقرِفِ الشرَّ قَارفُ
وبعضهم يقول: لا يَقْرفُ الشرّ، والرفع لغة أهل الحجاز. وبذلك جاء القرآن»(2).
وأورد ابن مالك قول الفراء في شرحه على كتابه (تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد)(3)، ثم تعقبه أبو حيان لذلك فقال «ولم يذكر المصنف ولا ابنه الشارح خلافًا في هذه المسألة، وادعيا أن العرب تجيز الجزم والرفع في مثل هذا، وقد خالفا في ذلك الخليل وس [سيبويه] وسائر البصريين، فكان ينبغي أن ينبه على خلاف هؤلاء، وإذا كان خلاف هؤلاء لا يُنقل ويُزعم أن العرب تقول مثل هذا اغترّ بذلك من ليس له اطلاع على مذاهب العرب ولا على خلاف أئمة العربية؛ ولكنْ حُسنُ الظن يَسَعُهما، أما ابن المصنف فلقلة محفوظه، وأما أبوه المصنف فلقلة اعتنائه بكتاب س»(4). وليس بغريب تعقيب أبي حيان «وهو أشد النحاة مخالفة لابن مالك وأكثرهم شغبًا عليه»(5).
والحق أن عدها (لا) ناهية أو نافية جازمة ضعيف، ولعل تفسير السكون في هذا الموضع راجع إلى خطأ الكتابة؛ فإن أحسنا الظن أرجعناه إلى معاملة نهاية العنوان معاملة الروي المقيد.
**__**__**__**__**__**
(1) المساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل، 3/ 127.
(2) معاني القرآن للفراء، 2/ 383.
(3)ينظر: شرح تسهيل الفوائد لابن مالك، 4/ 48.
(4)التذييل والتكميل في شرح التسهيل لأبي حيان الأندلسي، 15/ 362.
(5) تقديم يوسف خليف لكتاب تسهيل الفوائد لابن مالك، ص: و.