أ.د.صالح معيض الغامدي
يمكن توظيف السيرة الذاتية Autobiography في التعليم العام والجامعي لتصبح أداة قوية للطلاب للتعرف على أنفسهم وعلى الآخرين والعالم من حولهم. فالسير الذاتية تقدم منظورًا فريدًا ورؤية شخصية لتجارب الأفراد الحياتية المتنوعة بما في ذلك من نجاحات وانتصارات حققوها وصعوبات وإخفاقات واجهوها وتعاطوا معها وطموحات وأحلام تاقوا إليها ورادوها... إلخ، وكل ذلك من شأنه أن يمكن الطلاب من التواصل معهم على مستوى شخصي أكثر مما يحدث عادة في المواد الأخرى التي يدرسونها.
إن توظيف السيرة الذاتية ضمن مناهج بعض المقررات الدراسية يساعد الطلاب على اكتساب فهم أعمق للتاريخ والثقافة والمجتمع، وذلك من خلال قراءة التجارب الحياتية لأشخاص متعددين ينتمون إلى خلفيات ثقافية وفكرية مختلفة، ويمكّنهم من الاطلاع على وجهات النظر المتنوعة ويجعلهم أكثر تفهما لها وتعاطفا معها، وربما نقادا لها.
كما أن قراءة السيرة الذاتية تمكن الطلاب من الاطلاع على تجارب حياتية متنوعة تثري خبراتهم الحياتية، فقراءة خمس سير ذاتية منتقاة على سبيل المثال ربما تمدهم بتجارب حياتية متنوعة تجعلهم يبدون وكأنهم عاشوا خمس مرات، مجازا بطبيعة الحال.
والتعليم والتعلم من خلال السير الذاتية ماتع وجذاب لأنه مرتبط بشخصيات حقيقية ومشهورة ومعروفة في حال الاكتفاء بقراءتها ، ولكنه قد يكون مفيدا أيضا للطلاب عندما يكلفون بكتابة فصول من سيرهم الذاتية أو على الأقل الكتابة عن بعد واحد فيها بتعمق ويكونون هم الشخصيات الرئيسة في كتاباتهم السيرذاتية.
والسير الذاتية من شأنها كذلك أن توفر القدوات المميزة التي يمكن أن يحتذيها الناشئة والشباب، وتجعل تحقيق أحلامهم وطموحاتهم أمرا ممكن التحقق، لأنه تحقق لتلك القدوات من قبلهم. وربما يكون العكس صحيحا أيضا، أعني القدوات السيئة التي يسعون لاجتنابها والبعد عنها. وقد تشجع السيرة الذاتية الطلاب على كتابة سيرهم الذاتية الخاصة بهم في وقت ما، فهي وسيلة قوية لهم للتفكير في حياتهم وتجاربهم ومعتقداتهم.
إن قراءة السير الذاتية ومناقشتها في الفصول الدراسية وقاعات المحاضرة تؤدي إلى تشجيع التفكير الناقد وتطوير مهارات التحليل والتفكير والشعور بالهوية، وتجعل الطلاب يتعرفون على (أو يكتشفون) بعض الموضوعات والقيم المهمة مثل قبول التنوع والمرونة والعدالة وقبول الآخر المختلف... إلى آخره.
ومن شأن قراءة السير الذاتية أن تعزز الهوية الوطنية في نفوس الطلاب/القراء، فالأبعاد الوطنية في السير الذاتية السعودية حاضرة بقوة وهي من أهم إن لم تكن أهم الملامح التي يشترك فيها كتاب السيرة الذاتية السعودية وكاتباتها بغض النظر عن اختلافاتهم المناطقية والفكرية والشخصية. ولذلك فإن قراءة هذه السير الذاتية تبرز هذه القيم الوطنية السعودية الراسخة وتعززها في نفوس قرائها في شتى مناطق المملكة.
ومن المعلوم أن كتابة السيرة الذاتية ليست مرتبطة بحقل أدبي أو علمي واحد، بل يكتبها الأدباء والمؤرخون والعلماء والأطباء والسياسيون والمختصون في علم الاجتماع وعلم النفس... إلى آخره، كما أنها تتعاطى مع جوانب الحياة المختلفة، وتعمق فهم الطلاب لكثير من القضايا والمفاهيم المرتبطة بمجتمعهم وتثري مداركهم، بعض النظر عن ميولهم وتخصصاتهم الأكاديمية. ولذلك، يمكن دمج السيرة الذاتية في المواد الأكاديمية المختلفة، مثل التاريخ، والأدب، والدراسات الاجتماعية، وعلم النفس وغيرها.