شوقية بنت محمد الأنصاري
يتجدد صوت الكتاب في 23 أبريل من كل عام منذ أن اعتمدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) احتفالية اليوم العالمي للكتاب، فعالية تنطلق منها لغة التقدير والاعتراف بحقوق المؤلف للكتاب، هذا الكنز الجوهري الممتد عبر العصور والقارات، ليثبت الكتاب بين دفتيه عبقرية الانسان وإبداعه في حفظ مكنون فكره ووجدانه.
وقد أخذ هذا الاحتفال نصيبه من فعاليات نهضتنا الثقافية بالمكتبات الوطنية والمراكز الثقافية والجهات الخيرية الخاصة والفرق التطوعية، بل ونافست العديد من مدارس التعليم العام برامجها تفعيل هذه المناسبة لرفع سقف وعي الجيل نحو القراءة وحفظ حقوق المؤلف وكتابه.
هذه المحطة الطفولية منها تتأسّس علاقة تكوينية مع الكتاب والابحار في كنوز لغته الجمالية، وقد تبرهنت علاقة الجيل مع القراءة في لغة الأرقام المبشرة بالمواهب المندمجة مع الكتاب، حيث تجاوزت أكثر من مليون طفل مشارك في تحدي القراءة العربي عام 2024م، فمن هذه المرحلة تتشكل حتما ملامح الطفل القيادية وظاهرة تميز أدائه وحضوره بثقة بالمسارح وعبر منابر الإعلام، ليبقى السؤال الجوهري: هل للكتب الإثرائية حيز في زاوية المكتبة المدرسية؟
قبل عام 1427هـ تقريبا صدر قرار وزارة التعليم بسحب جميع الكتب والمراجع من المكتبات المدرسية ومراكز مصادر التعليم في السعودية، بسبب حملها لأفكار متطرفة وأخطاء طباعية وغيرها، وصادف وقتها انطلاق المسابقة الخليجية (تحدي القراءة العربي) ليجد القرار صورة تناقضية بين سحب الكتب دون التعويض بمراجع جديدة تشرف عليها الوزارة، وبين مخاطبات الوزارة للمدارس بتحفيز الجيل للمنافسة في المسابقة، حيث مازالت العديد من المدراس في حذر لإعادة تشكيل هذه الهوية الثقافية للكتاب ودمجها في حياة الطفل الذي اقتصر ولائه لكتاب المنهج الدراسي فقط، ورغم ذلك هناك من تجاوز هذه العقبة بتجهيز مكتبته المدرسية باجتهادات واعية من معلم مثقف يؤمن بقيمة الكتاب لتحفيز المواهب، فالحقيقة أن هذه الإشكالية لم تواجه المحيط المدرسي فقط، بل تجاوزته للأسرة فغدت في حيرة حول ماهية الكتب التي تتناسب مع الفئة العمرية لأطفالها، وتساؤلاتها عن دور المدرسة في توفير الكتب المهيأة لخوض تجربة قراءة 30-50 كتابا وفق معايير جائزة تحدي القراءة العربي، وهي كالتالي:
– قراءة جميع الكتب التي تقدم المعارف العلمية والأدبية من العلوم، الطب، الفلك، القصص، وغيرها.
– يمكن الحصول على هذه الكتب وفقا لمصادر متنوعة: كمكتبة المدرسة، أو البيت، أو المكتبات العامة، أو مكتبات الأصدقاء، أو المكتبات الإلكترونية.
– لابد أن تكون الكتب المقروءة مكتوبة باللغة العربية، وهذا الامر يشمل الكتب المترجمة من اللغات الاخرى.
– الطلاب من الصف الاول الى الصف الثالث يقترح قراءة كتب بعدد صفحات يبدأ من 5 صفحات وحتى 20 صفحة.
– الطلاب من الصف الرابع الى الصف السادس يقترح قراءة كتب بعدد صفحات يبدأ من 21 صفحة وحتى 30 صفحة.
– الطلاب من الصف السابع الى الصف التاسع يقترح قراءة كتب بعدد صفحات يبدأ من 31 صفحة إلى 50 صفحة.
– الطلاب من الصف العاشر الى الصف الثاني عشر يقترح قراءة كتب بعدد صفحات يبدأ من 51 صفحة إلى 100 صفحة.
– يفضل أن يختار الطالب قراءة الكتب التي تشبه ميوله ضمن الفئات السابقة.
– يستثنى من ذلك قراءة الصحف، والمجلات، وقراءة المناهج الدراسية، وقراءة المراجع والمصادر، ودواوين الشعر.
لقد أثارت هذه المعايير لديّ رحلة بحثية للتحقق من وعي المؤسسات بها بما يخدم الطفل للمنافسة من مكان واحد يوفر له ولأسرته جهد البحث، ووجدت في عبقري اللغة (الجاحظ) مفاتيح بيانية زادتني إيمانا برسالتي في تعزيز اللغة العربية في جيل الألفية، حيث يقول في كتاب (الحيوان) : «ولولا سوء ظني بمن يظهر التماس العلم في هذا الزمان، ويظهر اصطناع الكتب في هذا الدهر لما احتجت إلى مداراتهم واستمالتهم، وترقيق نفوسهم وتشجيع قلوبهم -مع فوائد هذا الكتاب- إلى هذه الرياضة الطويلة، وإلى كثرة هذا الاعتذار، حتى كأن الذي أفيده إياهم أستفيده منهم، وحتى كأن رغبتي في صلاحهم رغبة من رغب في دنياهم» ولكي ألفت النظر لرحلة الوعي بالكتاب زرت عددا من المؤسسات التعليمية والثقافية الحكومية منها والخاصة المتواجدة بمعارض الكتاب، لعلنا بهذا التشارك نعزز للجيل لغة اقتناء الكتاب لتنافسية المسابقات، قبل الرفاهية بالكتاب وحضور المعارض، وأطرح السؤال المنتظر للجواب: هل حرصتم على توفير كتب للأطفال وفق معايير جائزة تحدي القراءة العربي؟ وللأسف لا يوجد لدى هذه المؤسسات ذلك التصور حول معايير مسابقة التحدي العالمية.
إن هذا المحك لردم فجوة ثقافة الكتاب بات حلّه حتما على وزارة التعليم كونها الجهة الأولى المشرفة على المسابقة، لتبادر م ن خلال ركنها الأساسي في معارض الكتاب في تنظيم حقيبة من الكتب المتنوعة التي تتناسب مع معايير جائزة التحدي، ويتعزز تشاركها المجتمعي مع مكتبة الملك عبدالعزيز الوطنية أو مكتبة الملك فهد الوطنية أو من خلال دور النشر السعودية التي بدأت تستقطب صغار الكتاب المتواجدين كل عام لتوقيع كتبهم القصصية والشعرية والروائية، بل ويتعمق الأثر التشاركي بين التعليم ومؤسسة موهبة في التوجّه لدعم الأبحاث العلمية التي لم تحظى بالفوز والعناية من بعد رحلة إثرائية من القراءة والبحث والتجارب، ولم تؤهل الطفل واليافع للتنافسية في أولمبياد إبداع، ولكنها تحمل تجربة حقيقية تستحق النشر والتحفيز والتكريم ليرتفع سقف الوعي الفكري لدى الجيل في حفظ حقوقه الفكرية والتنويع الثقافي الذي سيزيده انفتاحا معرفيا على مجال بحثه وتوسيع قراءاته التمشيطية، فتنمو لغة الابتكار للكتابة العلمية، أيضا هناك مسابقة المسرح المدرسي الذي تنظمه دائرة الثقافة في حكومة الشارقة ويتنافس فيه عدد من منسوبي وزارة التعليم بالمشاركة، هي أيضا تجربة لابد من الاستفادة من جائزة الشارقة للتأليف المسرحي ومراجعها الثرية المتنوعة فيها، ليجد الطفل المنفتح على الآداب والفنون والعلوم من هذه الحقائب غايته في تشكيل ثقافته القرائية.
ختاما أتفق مع الأديب الراقي (مصطفى صادق الرافعي) حين وصف هذه المرحلة من القراءة بقوله: « ليكن غرضك من القراءة اكتساب قريحة مستقلة، وفكر واسع، وملكة تقوى على الابتكار، فكل كتاب يرمي إلى إحدى هذه الثلاث فاقرأه». وهذه مقترحات وتجارب لعلها تأخذ بهمة الجيل نحو اندماج سلوكه مع الكتاب:
1- توفير مجموعة متنوعة من 30 -50 كتابا وفق معايير جائزة تحدي القراءة العربي تشتمل على القصص الدينية والأدبية والتاريخية، والشعر، والقيادة، والفلك، والبيئة، والروايات العربية والمترجمة، يتناوب على قراءتها الطلبة، والملخصات تأخذ طريقها لمرحلة أخرى من التدريب لتتشكل سيرة الطفل الذاتية نحو المهارات الإبداعية في الكتابة.
2- القراءة الجماعية في الطابور الصباحي لمجموعات قصصية قصيرة لا تتجاوز مدة قراءتها عشر دقائق لتكون التجربة محفزة للطلبة لمحاكاة بعضهم البعض، ورفع سقف التنافسية، خاصة مع ما نواجهه من رحلة انعزال عن القراءة كعادة تنمي المهارة، إلى معتقد أن القراءة حاجة مؤقته لشهادة معجلة.
3- تخصيص قناة مدرسية عبر اليوتيوب يشارك فيها الطفل تجربته بعد كل كتاب يقرأه، بتوظيف مسرح المدرسة حيث يلقي ملخصه عن الكتاب في قصة يستعرضها بمهارات إلقاء فنية.
4- توظيف الذكاء الاصطناعي في تحويل المشهد القرائي لفلم قصير لتتشكل لدى الطفل تجربة إثرائية رقمية تزيد من حماسه للقراءة ونواتجها تتنوع أمامه.
5- تشكيل نادي الكتاب أو صالون الطفل القارئ بتخصيص قناة تواصلية عبر حساب المدرسة بمنصة مايكروسوفت التعليمية بإشراف قائد المدرسة والمعلمين والطلبة.
إن جميع هذه الممكنات لا يمكن أن تتحقق إلا بلغة تشارك الأسرة مع المدرسة والوزارة مع المؤسسات الثقافية، ليجد الطفل عالمه ويدهش من حوله بعمق فكره ومنطقه.
مَن استقى مِن نور كلِم الله البرهان، أدرك سرّ لغة البيان..
ومن غاص في هندسة اللغة بحنكة، شعّ فكره لبناء الحجة..
ومن امتلك صوت الحجة، قادته بحكمة للسلطة..
ومن جعل سلطته أخلاقه، محى الحيرة من حياته..
ومن حبك لغة الصدق، سحر القلوب برفق.