علي حسين (السعلي)
هناك مطلع قصيدة للشاعر عبدالواحد الزهراني تتمثلني الآن:
مات لا ما مات لا لا مات بين مكذب ومصدق
كان هذا موجز الاخبار لكن الموكد مات!
يوم السبت الماضي الرابع من شهر مايو 2024
الخامس والعشرين من شهر شوال عام 1424هـ
صباح يوم حزين لكل المثقفين والأدباء والمفكرين وكل المهتمين بالشأن الثقافي محلياً وخليجياً وعربياً، يوم توشّحت مواقع التواصل الاجتماعي بسواد الفقد للأمير الشاعر صاحب السمو والرفعة وقمّة التواضع وعنفوان الشعر الشعبي بدر بن عبدالمحسن رحمه الله رحمة واسعة... ماذا نكتب عنك يا بدرنا الغالي؟
الحروف هي من تجيرنا قبل أرواحنا، أجسادنا تجثّمت والله تخثرت الحروف في بوابة الكلام، نكتب عن الفقد لفقدك أم نكتب متاهة الفجع من رحيلك، ماذا نكتب وأي كتابة تلك التي تستطيع أن تخرج آهاتنا الآن؟!
أبعتذر عن كل شيء إلا الهوى! أليس هذا مطلع من روائعك بدرنا الحبيب؟!
حتى أنا أبعتذر عن الكتابة لكن سطوري تأبى إلا أن تكتبني!
يا بدر لماذا ترحل دون وداع، على الأقل قُبْلة نزرعها في جبنك الطاهر بجمال ما كتبته عن وطننا، والله إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.. وإنا لفراقك يا بدر لمحزنون!
الحزن هو الحزن أليس كذلك، الفقد هو الفقد، الألم هو الألم، ومن لطف الله ورحمته بعباده أن ذاك الحزن وهذا الفقد، ووجع الألم يبدأ كبيراً، ثم سبحان الله يصغر، وإن كان العكس لبقينا في ذلك للمات نتذكر وندمع ونتحسّر.. لكن في حالة حزن وفقد وألم ووجع البدر، فإننا نبكي وليت الدموع ترجع الأحباب، بدر عبدالمحسن لم يكن شاعراً عادياً يمضي هكذا دون استلهام المعاني الحقيقة والجواهر المدفونة لاختفاء البدر من حياتنا ليلاً فكيف نجمع ذلك بين ليلنا ونهارنا؟!
أغلب الكتّاب والنقاد والشعراء والمفكرين وكتّاب القصة دائماً ما يضعون في طيّات نصوصهم بيتين أو ثلاثة من قصائد لروائع الشاعر بدر عبدالمحسن لرقّة ما كتبه يرحمه الله، وجودة ما تصنعه أنامله من قيمة للحرف، وكأنها تتراقص بصوته وتتبختر بكتابته، ومحدثكم لم يخل نص لي إلا وامتزجت بغناء صوت الأرض طلال مداح والعجيب أنها من كلمات بدر بن عبدالمحسن...
لقد كتب فقيد الشعر الكثير عن الوطن غناءً وامتزاجاً وانتماءً وولاءً للأرض للدين للملك للقيادة، فهو وطني حتى النخاع، سعودي يفتخر بهذا الكيان الشامخ من مشاش الرأس إلى داخل روحه يرحمه الله..
فالبدر هو مهندس الكلمة، المحلّقة بالجمال، بالمحبة بالعشق بالحنين بالذكريات، بالأماني بالأغاني أوّاه يا بدرنا!
كم فجعنا برحيلك وكأن في كل بيت سعودي هناك غصّة ألم، فاجعة فقد، معاناة رحيل، البدر حين يغادنا تبقى كلماته باقية ما بقينا أحياء ننبض بالبدر شعراً لكن كيف نعيد لأصواتنا نغمة الاسم وحنين البدر، صوته الذي يسافر فينا في ذواتنا نغماً...
أوّاه يا بدرنا كم للفقد من عناوين كسفينة عمرها أكثر من خمسين عاماً قبطانها البدر وشراعها كلماته وفنارها محبة الناس لهذه السفينة والآن توقفت السفينة عند شاطئ الشعر وسقطت السفينة وغادر قبطانها إلى الآخرة نتذكر ونبكي نعيد الألم تلو الألم ونعود نقول كما قال شاعرنا عبدالواحد:
مات لا ما مات لا لا مات!
بين مكذب ومصدق
كان هذا موجز الأخبار
لكن الموكد مات!
سطر وفاصلة
وهكذا اختفى «البدر» من سماء الشِعْر
ونظلّ نترقّب ضوءه في كل ليلة نسترجع الذكريات
سيبكيك يا «بدر» أنّات العاشقين، آهات الشوق والحنين
سيتوشّح الحرف سواد كاتبها، ستندبّ سطورك
يا بدر.. نوح الأماني، وتدمع الفواصل حبر أنين الأصابع، رحلت بدون وداع
رحم الله «بدر بن عبدالمحسن».
كتبه:
عاشق لحرفك، متيم بشعرك، فاقد لوجودك أيها البدر الذي اختفى من فضاء كتاباتنا حزناً، متألم ولكن نملك إلا أن نقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون).