جزر فرسان - واس:
وقّت أهالي جزر فرسان بختام مهرجان الحريد السنوي، ليكون موعدًا لانطلاق رحلات صيد اللؤلؤ، حينما كانت تلك المهنة العتيقة ذات شهرة ومصدرًا رئيسًا لمداخيلهم المالية وازدهار حياتهم الاقتصادية والاجتماعية، ولتكون المهنة الرئيسة لأهالي الجزيرة في فترات زمنية ماضية. وحين حملتهم السفن بحثًا عن اللؤلؤ في أزمنة ماضية خاضوا غمار البحر طلبًا للرزق في أعماقه، وكانت السفينة الواحدة تحمل بين 30 إلى 40 شخصًا بين نوخذة، وغواص، وبحار، ورُبّان.
شيخ شمل جزر فرسان محمد بن هادي الراجحي.. عادَ بذاكرته لمراحل التجهيز لرحلات صيد اللؤلؤ، مشيرًا إلى أنها تبدأ بتفقد وتهيئة مالك السفينة لسفينته استعدادًا للرحلة وتأمين منازل البحارة بالمؤن والمواد الغذائية التي تكفي أسرهم طوال مدة غيابهم في البحر، إلى جانب تجهيز طعام الرحلة الذي يكون عادة بتوفير كميات من الذرة الحمراء أو البُرّ وكميات كافية من المياه الصالحة للشرب التي يتم الاحتفاظ بها في آنية فخارية.
واستخدم الغواصون «الجليلة» وهي ثُقل يربط بقدم الغواص ليساعده في نزوله إلى أعماق تزيد أحيانًا عن 12 مترًا في عمق البحر لاستخراج اللؤلؤ، ثم يتواصل الغواص مع مساعدهِ على سطح السفينة بواسطة حبلٍ بينهما ليساعد في سحبه نحو السطح، ومن أجل ذلك يخصص الغواص لمساعده على ظهر السفينة محصول «دنجيل» وهو شبك يُجمع فيه المحار ليكون مقابل أجرته لسحبه الغواص نحو سطح السفينة.
ويبدأ الغوص يوميًا عقب صلاة الفجر حتى الظهر طيلة أيام الرحلة، ومن ثم يخلد الجميع للراحة، قبل أن تبدأ عملية «الفلْق» عقب صلاة العصر وهي فلق البَلْبيل أو المحار، فيعاين كل غواص حصاده اليومي.
وأسهم ازدهار تجارة اللؤلؤ في فترات زمنية سابقة في ظهور مجموعة من الأثرياء الذين قادتهم التجارة إلى تسويق اللؤلؤ في دول الخليج العربي ودول أوروبا، وكذلك بلدان الشرق وبخاصة في الهند التي كانت سوقًا رائجة للؤلؤ، فكان لمشاهدات أولئك التجار للفنون الشرقية والنقوش الموجودة على المباني في تلك البلاد أثرٌ على فكرهم الحضاري والمعماري، فنقلوا تلك الأفكار إلى جزيرة فرسان، ما انعكس ذلك على عدد من منازل أولئك الأثرياء بالجزيرة وبخاصة منزليْ الرفاعي الذي تعود ملكية أحدهما لأحمد المنور الرفاعي الذي تم الانتهاء من بنائه في العام 1341هـ، والآخر لحسين بن يحيى الرفاعي، ومنها كذلك مسجد النجدي الذي تم الانتهاء من بنائه عام 1347هـ، على يد الشيخ إبراهيم التميمي المعروف بلقب «النجدي»، الذي عمل في تجارة اللؤلؤ، وتأثر في بناء المسجد بالحضارة الشرقية، حيث كان كثير السفر إلى الهند.
وأسهمت تجارة اللؤلؤ في ازدهار الحركة التجارية والاقتصادية بفرسان، قبل أن تتوارى أمام اللؤلؤ الزراعي والصناعي، لتصبح جزءًا من تراث الجزيرة وثقافتها القديمة.