خالد بن حمد المالك
يُثار جدل مَشبوه بين الحين والآخر حول ما يُقال عن تطبيع المملكة مع إسرائيل لهدفٍ كَريهٍ في نفس أمريكا وإسرائيل، وعادة ما تصدر التسريبات مَنسوبةً لمصادر سياسية وإعلامية أمريكية وإسرائيلية، ويتم تداولها إعلامياً بشكل أبعد ما يكون عن المهنية والتثبت، وتوظيف الشائعات لترسيخ تَوجّه عن النية للتطبيع يخالف شروط المملكة والتزاماتها التاريخية الداعمة للقضية الفلسطينية.
* *
فالمملكة ضمن الدول العربية التي وافقت بالإجماع في مؤتمر القمة العربية في بيروت على التطبيع مع إسرائيل مقابل اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، وهو نفس شرط المملكة الذي يتقدم بقية شروطها التي يدور حولها الحوار بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية من أجل التطبيع، أي تحقيق مبدأ الأرض مقابل السلام، لا السلام مقابل السلام الذي يحرم الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة.
* *
لهذا فإن إثارة موضوع التطبيع بالطرح المُخالف لقواعد التزامات المملكة نحو القضية الفلسطينية، وحرصها على حماية حقوق الشعب الفلسطيني والدفاع عنها، هو أسلوب نَتنٌ يفتئت على الحقيقة، ويحاول الأعداء به خدمة إسرائيل، وصرف الأنظار عن جوهر المباحثات السعودية- الأمريكية كما هي لا إلى التوجه نحو إيجاد حالة من التشويش الكاذب خدمةً لإسرائيل.
* *
ومع أن المملكة تُكرر في كل مناسبة عن موقفها من التطبيع، وعن شروطها المُلزمة لقيام دولة فلسطينية، ومع أنها تتحرك وفقاً لقرارات قمة بيروت، فإن من يتآمرون على حقوق الفلسطينيين هم مَن يُسربون المعلومات غير الصحيحة عن الموقف السعودي، لخلق جوٍّ مشحون بالأكاذيب والأوهام، مع أنهم على علم ويقين بأن ذلك لن ولم يغير من الموقف السعودي الثابت في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين بموجب الوثائق والتاريخ والقرارات الدولية ذات الصلة.
* *
ولا يمكن أن يغيب عن الذهن أن إسرائيل هي من تتمسك بالاحتلال، وتمانع في قبول شروط الرياض، مُستقويةً بالموقف الأمريكي والأوروبي، على أن هذا لن يغير في سياسة المملكة، وثباتها على ما هي عليه في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على الأراضي التي تم احتلال إسرائيل لها عام 1967م.
* *
هناك هدف في عسف الحقيقة، والتجني على الموقف السعودي، غير أن العقلاء في العالم جميعهم يقفون موقف الاحترام والتقدير للسياسة السعودية في التعامل مع آخر احتلال لأراضي الغير، وحكمتها في الوصول إلى حلول واقعية لا يحرم الفلسطينيين من حقوقهم، وإنما يُمهّد الطريق إلى ما يرضي الفلسطينيين، وينهي هذا الاحتلال البغيض.
* *
إن استمرار الحروب في المنطقة، وكون إسرائيل هي الطرف الثابت في كل حرب، وبالبحث عن الأسباب سوف نجد أن إنكار تل أبيب لمطالب الفلسطينيين هو السبب في عدم الأمن والاستقرار في إسرائيل والمنطقة، وما من حَلٍّ لهذا الصراع إلا بالأخذ بخيار الدولتين، تحقيقاً لقرارات الشرعية الدولية، وتفهم دول العالم بأن هذا الحل هو الذي يضمن بقاء إسرائيل إلى جانب دولة فلسطين.
* *
وبالتأكيد فإن حَلَّ هذا الصراع الدامي الذي مضى عليه أكثر من 75 عاماً يمكن أن يتم تحقيقه في غضون شهور متى حَسُنت النوايا، وكانت إسرائيل مُستعدةً للقبول بهذا الخيار، وجاهزة للتنفيذ، بدلاً من التهرب، والإصرار على احتلالها لأراضٍ ليست لها، ومتى امتلكت الشجاعة للقبول بالأمر الواقع الذي إن لم يتحقق الآن فسوف يتحقق مستقبلاً حتى وإسرائيل ترفض ذلك.