حسن اليمني
رغم وجود الفرص الذهبية التاريخية للكيان الصهيوني للظهور كدولة جارة لدولة فلسطينية، مقبولة دولياً وعربياً وفلسطينياً، إلا أن نتنياهو ما زال يضع الكيان الإسرائيلي في مأزق مرادف لمصيره الشخصي في الحياة السياسية، والتي تصل في كلا طرفيها إلى نهاية نتنياهو وحياته السياسية.
بين الاجتياح العسكري لرفح والقضاء التام على فرص إدخال الكيان الإسرائيلي في الدائرة العربية، تجد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها أمام مفترق طرق بين استمرار بقاء الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وبين دخول الصين، ومن خلفها روسيا وإيران للمنطقة والهيمنة عليها بديلاً لأمريكا، فيما تبقى بعض الدول العربية في هذا المفترق منتظرة القدرة الأمريكية في فرض إرادتها على الكيان المحتل أو التفريط بوجودها في المنطقة لصالح الصين.
إن المأزق العالمي الذي خلقه السابع من أكتوبر للعام الماضي أدى بصعود القضية الفلسطينية إلى أعلى عنق هذا المأزق، وأصبح لا مفر من فصل الأبيض عن الأسود أو ما قبل 7 أكتوبر وما بعده، فقد فعل فعله ونجح فعلاً وبشكل تام في سحب الجميع إلى نقطة النهاية أو بالأصح نقطة الافتراق، لم يعد بعد المبادرة العربية ما يمكن أن يقدمه العرب لأمريكا ثمناً للصداقة والتوافق، حتى وإن استبدل عنوان الحديث من مبادرة عربية إلى اعتراف وتطبيع مع الكيان المحتل، الكيان المحتل ومنذ طرح المبادرة العربية عام 2002م، لم يقدم أي مقابل رغم التطبيع مع الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والمملكة المغربية وجمهورية السودان، ومع هذا تحاول الحكومة الأمريكية إدخال مزيد من الإغراء لكسب قبول الكيان من خلال التلويح الدعائي بالموافقة السعودية على التطبيع مع الكيان لكنها موافقة مشروطة بتحقيق مضمون المبادرة العربية المتفق عليها مع كافة الدول العربية بما في ذلك ممثلية فلسطين، التقط الكيان دعاية التطبيع وتجاهل شرطها ومضمونه، وبقيت الحكومة الأمريكية تسعى مع الكيان الصهيوني لحلحلة موقفة ودفع ثمن السلام والتطبيع ولو بالخطوات المرحلية دون جدوى، بل استمر الكيان الصهيوني في تعنته، بل أعلن عن نيته في الهجوم على رفح ليقض كل أركان قواعد اللعبة السياسية مع من حوله والذي في حدوثه فعلاً يجعل من المستحيل معه الحديث مرة أخرى عن المبادرة العربية بأي صيغة أو حتى تقديم نوايا عربية تجاه أي بوادر حل سياسي.
مشكلة الولايات المتحدة الأمريكية أنها تمنح الكيان الصهيوني دعمها السياسي والعسكري مقابل وجود هيمنتها في المنطقة، الذي أصبح يتآكل ويضعف أمام صعود قوة عالمية أخرى تمتلك أدوات القدرة لو لا ترددها واكتفائها بجني ثمار أخطاء الغير دون الدخول المباشر إلى حين تنضج الثمرة ويحين قطافها دون عناء، أننا أمام صورة البلدوزر القوي المشتبك في خيوط العنكبوت والتنين المنتظر السعيد بمشاهدة البلدوزر يحطم قوته بيده، ولا شيء يمكن أن يفسر المقامرة الأمريكية بقدراتها العظيمة تضحية لأشباه المخمورين بالدم فيما يسمى إسرائيل، بل يشعر المرء بالعجب والاستغراب من حماقة أمريكا بالمغامرة بقاعدة قوتها العسكرية المسماة إسرائيل في المنطقة العربية وكأنما ثور يحطم قرنية في صخر أو متكبر أرعن يحني هامته حتى لا تلامس سقف السماء ويتهادى بخطوته مخافة أن يخرق الأرض.
السيد توماس فريدمان في مقاله الأخير الذي ابتدأ بقوله (لقد اقتربت الدبلوماسية الأمريكية من إنهاء حرب غزة وإقامة علاقة جديدة مع المملكة العربية السعودية في الأسابيع الأخيرة، طارحة خياراً كبيراً واحداً لإسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو هو: ما الذي تريدونه أكثر: رفح أم الرياض؟) ثم يجيب عن تساؤله بأن اكتساح رفح سيعني هدماً للجهود الأمريكية في تأمين سلام وتطبيع مع أهم الدول العربية والإسلامية، وباقي المقال ليس إلا ثرثرة إنشائية تمسح على أكتاف «بيبي» وتستعطف عقليته الإرهابية، لكن تناقض مضمون الميزان بين رفح والرياض يعطي خلاصة لمأزق السياسة الأمريكية الذي شرحته في السطور السابقة، وهو الأهم واللب الأحق بالفحص والقراءة مرة ومرتين وثلاثاً لعقل السياسي الأمريكي إن وجد.
النظام العربي يبدو مل قاعدة «لا تعمل حتى لا تخطئ» بما كان يصوره كثير من المحللين بخانة المفعول به في الفعل المضارع، ولعله استبدل ذلك بقاعدة «تابع الإيقاع ولا ترقص» لكنها في ظني لن تستمر في حال دخل الكيان المحتل بجنوده إلى رفح وأحدث إبادة مكررة سابقاً في شمال ووسط غزة بما يمثل فيض غليان الصمت عن إنائه، البديل عن الهجوم على رفح انسحاب وتبادل أسرى وهدنة لطلق النار إلى أمد يحقق الرغبة الأمريكية في مسعاها لترتيب المنطقة سيكون انتحاراً سياسياً لنتنياهو يدخل الأحزاب السياسية باختلاف أيديولوجياتها في تطاحن سياسي قد يمتد للشارع ويدخل الكيان في نزاع داخلي، وإن حدث الهجوم فعلاً فأيضاً لن تتغير النتيجة النهائية لكنها علاوة على ذلك ستنهي الحيل الأمريكية وفرص نجاحها في المنطقة مما يشكل ثمرة ناضجة لمنتظرها في بكين، أما في الناحية العربية فإن الهجوم على رفح سيشبع العقل العربي عن الحاجة لمزيد من الحلول الأمريكية والبحث في مسار آخر، وحتى في حالة لم يقع الهجوم على رفح فإن استقدام بكين والأمم المتحدة خيار بديل يطرح لمواجهة العبث السياسي الأمريكي في المنطقة.