ناهد الأغا
أعود ثانية في حضرة التاريخ المشرق المجيد للأرض المعطاءة النابضة بقيمٍ تسمو بشموخ، فهنا قصة وحكاية كتب فيها الزمان حروفاً، ونسج على أحجار مبانيه عبارات جزلة، فقرأها الشموخ لغة ذات أنظمة وترابط لعظيم مفردات المعجم، في قصر المربع الخالد البنيان الشامخ حضوراً وألقاً، وذاكرةً وتاريخاً، يربض على أرض قام على ترابها أعظم الحكايات المتجسدة بالمجد المؤثل التليد.
فليست مساحة هذا القصر ما كان عليه بنيانه البالغ 1680م2، فحسب فبيانه الأساسي معنوي بكل ما تحويه عبارات الاعتزاز من معنى، تلمس فيه عبقاً تمتزج فيه رائحة الأصالة والعراقة المتجذرة منذ ذلك الزمن المفعم بعزيمة وقوة لا تشوبها شائبة، ويدور في المخيلة صورة الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، وهو يملأ جنبات القصر التاريخي كما أنه في عام 1939، عندما اتخذ رحمه الله من قصر المربع مكاناً لسكنه وشؤون حكمه وتصريف أمور الدولة، واستقبال الزعماء والوفود القادمة إلى زيارة المملكة ذلك الوقت، ولبناء القصر وطرازه المعماري وفنون تصميمه الرفيع والفريد، مُضفياً لوحة تصميمية متميزة للغاية بتوسط الفناء الداخلي للقصر بين غرفه العديدة، وجمال أعمدته المتعرجة، وممراته، وبنائه مربع الشكل المحاط بالأسوار.
وكتب المستقبل وخطَّ بمداد اعتزازه بأحرف التاريخ العتيد، واستحضر الماضي المجيد ألقه بإقامة فعاليات الدورة الـ45 الموسعة للجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ما بين (10 - 25) أيلول 2023، وافتتاح هذه الفعاليات على أرض قصر المربع التاريخي، بعد الإجماع باختيار المملكة العربية السعودية رئيساً للدورة فكأنما نطق لسان التراث وباح بمكنونه متغنياً وهو في حضرة مجيدة ضمت بين دفتيها الزمان والمكان الشاهد على أصالة ما تزخر به أرض المملكة العربية السعودية من آثار خالدة، وراسخة في العمق الحضاري والإنساني على الصعيد العالمي كاملاً وليس المحلي فقط، وتقول بكل ثقة كيف يكون شكل القادم من جميل الأيام وأفضلها فتأكيد كبير على مكانة المملكة، والدور الرائد الذي تقوم به في دعم جهود تنصب بجوهرها على حماية التراث العالمي والمحافظة عليه، بشكل يتفق وينسجم بصورة كبرى مع أهداف منظمة اليونسكو، مسلطاً الضوء على التزام المملكة حيال الحفاظ على التنوع الثقافي لما يمثله من إرث للأجيال القادمة، ولا غرابة لذلك فنرى في كل يوم منجزاً حضارياً تقوم تحفل وتزخر أرض المملكة العزيزة به، وتسير بثقة في مسيرة تعزيز مكانة وصون المواقع الأثرية والحضارية العالمية، وبنائها لجسور التعاون وتكريس الرؤى المشتركة، بما يحقق أطر الديمومة والاستدامة في مسيرة الرقي الإنساني، الذي يُشكل العماد الرئيس والأساس لرؤية 2030 الثاقبة والرائدة التي ستشكل القادم بأفضل صوره وتجلياته، بدعم رفيع المستوى من راعي المسيرة المظفرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ورعاه، وحضرة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأيقونة المشتعلة عطاءً وتنبض فكراً متقداً، وحماسة ممزوجة بحكمة وروية وعزم ثابت لا يتزحزح أو يلين.
وأقولها الآن كما قلتها سالف الأوقات: واصلي يا بلادي ويرعاك الله ويتمم مقاصدك على أرض وحرص قيادتك، وتعاضد أبنائك، الذين يتنسمون ذرات هواء رُباك وجبالك وسهولك ومياهك، فستبقين زاخرة معطاءة غنية بفضل من الله العزيز ورضوانه بما أنعم عليه بها من أرض وإنسان.