تغريد إبراهيم الطاسان
ليس أصعب من فقد أشخاص لطالما كانت الحياة أجمل بهم...
شعور غريب أن تستيقظ وأنت تشعر أن جزءاً من ذكرياتك، وجدانك، قد تلاشى بخبر فراق عزيز..
نعلم أن الموت سنة من سنن الحياة، نتجرع غصته وكلنا إيمان وتسليم به، لكن ما يحدث بعده، من شعور الفقد والغربة هما ما يعبث بتفاصيل حياتنا، لنعيش بعده بذاكرة تتأرجح بين مرارة الرحيل وألمه، وبين أطياف حلو الذكريات وعذبها!
يوم السبت 4 مايو، كان يوم فقد ووجع..
في صباحه فقدنا قامة الشعر وعموده، الأمير بدر بن عبد المحسن، وفي مسائه سمعنا عن خبر إصابة فنان العرب محمد عبده بالسرطان..
خبران يتنافسان في الألم والكآبة ويمنحان شعور الذهول والصدمة التي نعيش لحظاتها بلا ردة فعل تزفر ما احتبس في القلوب من ضيق، ليكون أول تفاعل مع الصدمة نظرات للسماء ودعوات.. وستار يزاح على عمر من الذكريات ولدنا وكبرنا وعشنا عمرنا إلى اليوم والبدر يكتب مشاعرنا، وأبو نورة يغنيها، من ذاك الشعر الراقي وعذب الصوت الشجي نسجت تفاصيل قصصنا وتشكلت ملامح ذكرياتنا.
فقدان شخصية مثل الأمير الشاعر البدر، حتماً سيكون له ثأثير لا يستهان به على المجتمع الثقافي.. حيث سيشكل غيابه عن الساحة الثقافية فراغاً كبيراً من الصعب أن يأتي من يملؤه، خاصة أن لديه دوراً بارزاً ومؤثراً في المجال الثقافي والاجتماعي، إذ كان -رحمه الله - يُعتبر من أبرز مكونات الهوية الثقافية السعودية، والذي برحيله ستفقد القوافي وبحور الشعر لربان يجيد الإبحار عبر بحورها والرسو على شواطئها بمهارة تفرد بها بدر الإبداع -رحمه الله.
مصابنا في الفقيد جلل.. فمكانه لا يعوّض.. ولكن حقه علينا تحفيز المبدعين على اقتفاء أثر إبداعه والمضي في طريق رقي كلماته.. والانتماء إلى مدرسة شعره المتميز بطابعه وأسلوبه.. من خلال تشجيع الشباب على الاهتمام بالشعر والثقافة، والانتماء لمدرسة الشاعر بدر بن عبد المحسن لكي يكون لجذور إبداعه امتداد لثراء وثروة شعرية تعتبر إرثاً ثقافياً سعودياً يعزّز الهوية الثقافية للمجتمع السعودي بفقدان الرموز، قد نجد صعوبة في التعبير عن أنفسنا، وفهم المعاني والنبض العميق النقي من صخب الضجيج والكلمة المعلبة بتاريخ صلاحية قصير المدى، مما يؤثّر سلباً على سبر أغوار العلاقات والتفاعلات الاجتماعية، كما يمكن أن يؤدي فقدان الرموز إلى شعور بالفراغ، وفقدان الهوية الثقافية والانتماء إلى أصل الإبداع ومكونات البصمة الفنية السعودية المميزة لذلك.. وكما تعودنا من منظومة الوفاء السعودي من قبل هيئة الترفية ووزارة الثقافة.. ماذا لو كان هناك يوم نسميه «وشاح الخلود» نطرز عليه مسيرة قامات وطنية تستحق أن يحتفى بها ليكون البدر أول الضوء لانطلاق مبادرة تحتفي بخير من منحوا الوطن حبهم من خلال كلماتهم وموقفهم.. يوم نحلق فيه فوق هام السحب من على أغلى ثرى، بالشعر والغناء وبكافة أوجه الفنون والثقافة ليكون هذا اليوم بصمة سنوية لها دور مهم في تعزيز الهوية الثقافية وتوثيق التاريخ الفني، تخليداً لذكرى رواده.. وتحفيزاً للأجيال الجديدة على صناعة إبداعات جديدة لها أساس قوي مستمد من قامات عظيمة شكلت ملامح الهوية الثقافية السعودية بفناها المتفرد في الوقت الصعب خلاصة القول.. الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن -رحمه الله-، والفنان محمد عبده -شفاه الله-، وجهان لديوان شعوري واحد لا بد أن تدرسه الأجيال القادمة.
فبعد مصابنا في الشاعر البدر ووجعنا على مرض الفنان محمد عبده، أصبح من الضروري تعزيز الوعي بتراثهما الثقافي والفني من خلال الحفاظ على أعمالهما وتوثيقها، وتنظيم فعاليات ثقافية وحفلات فنية تخصص لتغذية ذاكرة الأجيال بفنهم الخالي من التلوث والتخبط وفقد الهوية الذي يعاني منه الفن بشكل عام في العالم العربي، الحقيقة المرة أننا فجعنا برحيل شخصية سكنت القلوب حباً وإبداعاً.. وبغيابة أسدل الستار على أسلوب شعري تفرّد فيه بدرنا الفقيد..
غاب البدر.. ولم يبق لنا إلا صور من إحساس.. ولوحات من كلمات إبداعية معلقة على جدران الشعور.. نرفع عنها ستار الغياب عندما تتحرك نسائم الشوق إلى ذلك الشِّعر الذي لن يتكرر.. وذلك الإنسان الذي غاب جسداً، ولكنه ما زال قيد النبض في قلوب لن يموت فيها أبداً...
رحمه الله صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبد المحسن رحمة واسعة.. وجبر مصابنا فيه.