خالد بن حمد المالك
تَناولتُ ما يتحدث به البعض عن التطبيع بين المملكة وإسرائيل بمقال نُشر لي في هذا المكان يوم الجمعة الماضي، وضّحت فيه أن التطبيع لن يتم ما لم تلتزم إسرائيل بقيام دولة للفلسطينيين على الأراضي التي احتلتها عام 1967م وعاصمتها القدس، وَفنّدتُ ما يُثار من معلومات غير صحيحة تتبناها قوى إعلامية وسياسية في إسرائيل وأمريكا لإظهار موقف المملكة، وكأنه تطبيع لسلامٍ مقابل سلامٍ وليس سلاماً مقابل أرض ودولة عاصمتها القدس.
* *
في هذا المقال أعود مُجدّداً لتأصيل موقف المملكة التاريخي الثابت والمُعلن، بما لا قبول باجتهادات تخالف موقف المملكة من أنه لن تكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، وهذا ما تمّ حديثاً منذ صدور بيان المملكة التاريخي الذي تمّ فيه إبلاغ الإدارة الأمريكية بموقفها الثابت إياه.
* *
والمملكة لم تكتفِ بهذا البيان ليكون شاهداً على أن الدبلوماسية السعودية ثابتة في موقفها، أمينة على حقوق الفلسطينيين المشروعة، حازمة في إصرارها على قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، بل إنها مارست بتوجيه من سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ضغوطاً دولية، بهدف تحقيق مطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
* *
واللافت للنظر أن المنتدى رفيع المستوى للأمن والتعاون الإقليمي الذي عُقد بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية أظهر أولى علامات الاستجابة لهذه الضغوط السعودية من خلال وجود توجّه لدى عدد من دول الاتحاد الأوروبي للاعتراف بالدولة الفلسطينية، كما استثمرت المملكة استضافتها للمنتدى الاقتصادي العالمي الشهر الماضي لحشد رأي عام دولي تجاه الاعتراف بدولة فلسطينية.
* *
وعلى هامش المؤتمر الاقتصادي الدولي الذي عُقد بالرياض نجحت المملكة في تنظيم أربعة اجتماعات خلال 48 ساعة (اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية، اجتماع الوزراء المشترك للشراكة الاستراتيجية بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية والولايات المتحدة الأمريكية، اجتماع دول السداسي العربي بوزير الخارجية الأمريكي، الاجتماع التنسيقي لدعم جهود تنفيذ حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطينية)، وكلها جاءت لتصب في خدمة تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني بقيام دولة مستقلة لهم على أراضيهم المحتلة.
* *
واستمرت المملكة بتوجيه من سمو الأمير محمد بن سلمان تقود المجتمع الدولي من خلال هذه الاجتماعات للخروج بخطوات لإقامة الدولة الفلسطينية، وتحديد توقيت وسياق هذا الاعتراف، مُوظّفةً ثقلها العربي والإسلامي والدولي عبر دبلوماسيتها الهادئة، وبالشراكة مع الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم، حيث أثمرت جهودها في إعلان دولتَيْ إسبانيا وإيرلندا اعتزامهما الاعتراف بالدولة الفلسطينية، واعتزام دولتَيْ مالطا وسلوفينيا إعلان اعترافهما أيضاً.
* *
وبما له علاقة بهذا الاهتمام السعودي بالقضية الفلسطينية، فقد واصلت المملكة ضغوطها على أمريكا لكي تُعلّق إرسال أسلحة لإسرائيل إذا اجتاحت منطقة رفح، وهو ما تمّ، كما جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤيد لأهلية فلسطين للعضوية الكاملة في الأمم المتحدة مُتوّجاً لجهود المملكة الدبلوماسية، باتجاه الضغط على المجتمع الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية، بتوجيه من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
* *
كل هذا يُظهِرُ جلياً موقف المملكة التاريخي الثابت، وجهودها في ترجمة تأكيدات سمو ولي العهد على وقوف المملكة إلى جانب الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة بإقامة دولة فلسطينية، وتحقيق آماله وطموحه، وفي المقابل تحقيق السلام العادل والشامل والدائم.
* *
وبعيداً عن محاولة التشويه والتشكيك والتشويش على الدعم التاريخي الدائم للقضية الفلسطينية مِمَّنْ لديهم حسابات خاطئة وربما مقصودة، فإن القيادة الفلسطينية -كما هو مُعلن- تنظر بتقدير وامتنان واحترام كبير للدور القيادي التاريخي الذي تلعبه المملكة لإيجاد حلٍّ سياسيٍّ يكفل للشعب الفلسطيني الحصول على حقوقه، وهو ما تثمنه للرياض الدول العربية والإسلامية والصديقة، وكل مُنصف يرى في الموقف السعودي على أنه خارطة طريق نحو مستقبل أفضل للسلام في منطقتنا وفي العالم.