د. محمد عبدالله الخازم
لا يوجد مجموعة أو بلد أو منطقة منعزلة عن غيرها من العالم، ثقافات العالم يزداد تواصلها لعدة أسباب منها:-
1 - توفر الوسائل التي سهلت وسرعت سفر الناس عبر المسافات الشاسعة، وتسهيل هذا الأمر عبر الاتفاقيات بين الدول وتسهيل الإجراءات التي تقود إلى الثقة في هذا المجال مثل إجراءات تصاريح الدخول للبلاد وتبادل العملات وغيرها.
2 - التطور الذي يشهده قطاع تقنية المعلومات ووسائل التواصل عبر الأثير والإنترنت وغيرها.
3 - الكوارث البشرية المستمرة من حروب ومجاعات ونزاعات وغيرها مما يقود إلى نزوح البشر وانتقالهم من مكان أو بلد إلى آخر.
4 - التغيرات الاقتصادية وما يصاحبها من فرص كسب وعمل تضمحل في مناطق وتزدهر في أخرى، مما يقود الناس للتنقل بحثاً عن الفرص الأفضل.
تبنى انتماءات الناس وثقافاتهم ومعتقداتهم حول مجموعات، سواء في ذات المكان أو انتقلت/ تشكّلت معهم في المكان والبيئة الجديدة أو غير ذلك وفق أبعاد أربعة هي:
1 - الأهمية (إلى أي مدى أنظر للمجموعة كجزء من ذاتي).
2 - الالتزام (إلى أي مدى أريد جلب الفائدة للمجموعة).
3 - التفوق (إلى أي مدى أعتبر مجموعتي متفوقة على المجموعات الأخرى).
4 - الإذعان (إذعاني لمعايير المجموعة ورموزها وقادتها).
وفق ذلك تنتج ثقافات متنوعة، ديموغرافية وإثنية وقومية، تارة يسود تعددها وتارة تسيطر إحداها أو بعضها على الأخرى. ومن هنا برز علم نفس المثاقفة الذي يُعنى ببحث التحديات الناتجة عن حالات الاندماج أو التهميش الذي تحظى به مجموعة دون أخرى أو فرد في مجموعة ما. كما يبحث في الاستراتيجيات ذات العلاقة بهذا الميدان؛ هل يكون الإندماج بسيطرة مجموعة أو ثقافة (بناءً على أبعادها الإثنية والعرقية والقومية) أم بترسيخ التعددية الثقافية في المجتمع؟ ما هي خيارات الفرد والمجموعة أو النظام في هذا الشأن، في حال كانت الخيارات متاحة؟ ما هي استراتيجيات القوى/ المجموعات المهيمنة في هذا الشأن؟
تمايز الثقافات والخلفيات الإثنية، يحدث مع القادم من خارج الحدود وكذلك داخل البلدان حيث الانتقال من ثقافة زراعية إلى صناعية أو من القرية للمدينة أو العمل في بيئة مختلفة من ناحية اللغة أو المرجعية الثقافية، إلخ. الأسئلة والتفاصيل مُتشعبة، ونحن نقدم مجرد «نقطة ضوء» على هذا الموضوع الذي أصبح علماً بذاته يسمى «علم المثاقفة»، يبحث في دعم ورسم استراتيجيات وسياسات المثاقفة، التوجهات النظرية للمثاقفة، فهم أنماط المثاقفة، ودراسة ووضع نماذج التكيف والضغط اثناء عمليات المثاقفة.
هذا العلم يبدو حديثاً أو لم يحظ بالدراسة الكافية في العالم العربي، لذلك أخذت الباحثة في هذا المجال الدكتورة هيا السليم على عاتقها ترجمة سفر كبير فيه، تجاوز الـ 700 صفحة (كتب بخط صغير) من اللغة الإنجليزية إلى العربية. يشكل هذا العمل مرجعاً تأسيسياً مهماً، وقد أشارت الباحثة المترجمة في مقدمتها «آمل أن يسهم الكتاب في إثراء تجربة المثاقفة في المملكة العربية السعودية، وفي رفع الوعي المجتمعي حولها». هذا الكتاب المرجعي، الذي اقتبسنا منه بعض النقاط أعلاه، هو «دليل جامعة كامبردح لعلم نفس المثاقفة» نشرت ترجمته جامعة الملك سعود ويعرض تجارب ودراسات المثاقفة في بلدان ومناطق عدة حول العالم.
«دليل كامبردج لعلم نفس المثاقفة» خلى من الدراسات المعمقة حول منطقتنا، لعله يصدر في نسخه القادمة وهو يحوي قسماً يتعلق بتحليل المثاقفة في بلادنا ومنطقتنا. أشكر الدكتورة السليم على هذا العمل المميز، وعلى عاتقها وزملائها من أهل الاختصاص مزيد من المسؤولية في تطوير هذا العلم بكافة أبعاده.