مشعل الحارثي
تشارك المملكة دول العالم الاحتفال بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف بتنسيق من المجلس الدولي للمتاحف والذي يصادف (18) مايو 2024م من العام الحالي، وذلك سعياً لتعزيز الوعي بأهمية المتاحف ودورها في المجتمعات الحديثة وأثرها الواضح في ثقافات الشعوب وخدمة المجتمع، وكونها إحدى مفردات ومقومات العمل السياحي وتأتي على قائمة برامج واهتمامات السائح لدى زيارته لأي بلد في العالم.
ونحن في المملكة العربية السعودية نعيش - ولله الحمد- جملة من التحولات والقفزات التنموية الفريدة للوطن في ظل رؤية 2030 الطموحة وما حققته مخرجاتها مؤخراً من ارقام قياسية تبشر بمستقبل واعد للبلاد وما تدعو له هذه الرؤية في أحد محاورها من الاهتمام والعناية بالمتاحف لكونها تعد من المعالم الحضارية التي تسعى لغرس مفاهيم الانتماء الوطني وتقدم للأجيال مجالاً رحباً للتعلم أو الترفيه أو الدراسة إلى جانب حفظ تاريخ البلاد وتراث الأجداد.
وتجلى اهتمام الدولة ايضاً بأهمية ودور المتاحف في حياتنا المعاصرة بتأسيس دائرة للآثار ترتبط بوزارة المعارف عام 1383هـ، ثم ما لقيته من دعم وتطوير مع قيام وتأسيس هيئة السياحة والتراث الوطني سابقاً حتى تأسيس هيئة مستقلة للمتاحف تابعة لوزارة الثقافة تعنى بدعم التراث الوطني ورفع الوعي به وحمايته من الاندثار، وإصدار التنظيمات والتراخيص للمتاحف الشخصية.
وتشكل المتاحف الخاصة التي انتشرت في كافة مناطق المملكة وتخطت (200) متحف نافذة حية على الماضي وتضم من الكنوز الاثرية والتراثية الشيء الكثير، وتعد رافداً مهماً للمتاحف العامة او الحكومية وهي تأتي على نوعين متاحف أقامها أصحابها لإشباع شغف وهواية شخصية وتكديس وتخزين لبعض القطع دون الاهتمام بالقواعد والأصول المطلوبة في هذا الجانب كالاهتمام بالتصميم الداخلي ووسائل العرض الجاذبة، وتوفير الإضاءة الجيدة ووسائل السلامة، ووجود مواقف السيارات الكافية ،وغياب المهنية والتخصصية اللازمة في أصحابها، وعلى النقيض منها هناك متاحف اولاها أصحابها عناية خاصة وتم تنظيمها وفق أسس التنظيم المتحفي ووعت كيفية أساليب العرض الحديثة وإن كانت لم تستكمل بقية الشروط الأخرى لتصل للمستوى المطلوب.
ومحافظة جدة ، كغيرها من مدن المملكة، حظيت بعدد وافر من هذه المتاحف الخاصة والتي تتباين درجة الاهتمام بها من شخص إلى اخر، إلا أن متحفي عبد الرؤف حسن خليل الواقع الأول بحي الاندلس، ثم متحفه الآخر المعروف باسم مدينة الطيبات كاثري وأبرز هذه المتاحف ليس على مستوى المملكة وانما على مستوى دول الخليج سواء من حيث المساحة، أو القطع المعروضة التي تجاوزت في مدينة الطيبات وحدها (14) ألف قطعة اثرية وتراثية موزعة على (67) قاعة عرض.
وعلى مستوى المتاحف الشخصية يأتي أيضاً متحف الفنان طارق عبدالحكيم الخاص الذي كان يحمل مسمى متحف قلعة الفنون التراثية ثم تحول إلى متحف حكومي بمنطقة جدة التاريخية، ومتحف الفنان الدكتور عبدالحليم رضوي، ومتحف صفية بنت زقر للتراث والعادات واللوحات القديمة، ثم يأتي أحدث هذه المتاحف الخاصة (متحف المكتين) لرجل الأعمال المهندس أنس صيرفي الذي أعطي للمسؤولية الاجتماعية لقطاع الأعمال مفهوما عصريا غير تقليدي، إضافة لما يحمله من شغف كبير لتعزيز ارتباط الإنسان بالمكان والتاريخ والتراث الخالد للوطن في إقامة هذا المتحف وسط أحد الأسواق التجارية وبما يضمه من كنوز واثار تاريخية توزعت على عدة قاعات جسدت تاريخ الحضارة الإسلامية وتاريخ الحرمين الشريفين مكة المكرمة والمدينة المنورة وتطورهما عبر الحقب والأزمان، ومنها قاعة الخزفيات والكتابة والخط العربي، والمسكوكات النقدية، وقاعة تاريخ كسوة الكعبة المشرفة، وقاعة الطب القديم ومنجزات وأثار علمائنا واطبائنا العرب الأوائل كالرازي والزهراوي وابن سينا، وقاعة الأميال الحجرية التي اماطت اللثام عن جانب مجهول من ذخائر ونفائس تاريخ الجزيرة العربية للباحث الأستاذ الدكتور عبدالله حسين القاضي والتي استعان في التعرف عليها من خلال عدد من النصوص التاريخية والأحاديث النبوية وكتب السيرة ونصوص الجغرافيا والمستوحاة من احجار الحضارة المصرية القديمة المسماة بالمسلات، وعرفت في الجزيرة العربية في اوائل العصر الإسلامي الأموي، وساهمت في توجيه القوافل التجارية القديمة ما بين مكة المكرمة والمدينة المنورة ومن جنوب الجزيرة إلى الشام منذ آلاف السنين وحددت مسارها القديم للمسافرين، وغيرها من القاعات طور الإنشاء التي ما فتئ صاحبها يضيف منها إلى متحفه ما بين فترة واخرى الجديد والمفيد لاستكمال كافة جوانبه والجوانب الحضارية لمدن ومحافظات منطقة مكة المكرمة .
وقد لاحظت شخصياً أن هناك أعدادا كبيرة من المواطنين وهواة جمع التراث يملكون ويحتفظون في منازلهم بشيء من هذه القطع التراثية أو الاثارية للعرض وتزيين منازلهم بها رغم أن البعض منهم يجهل قيمتها التاريخية والحضارية.
وبحلول هـــــذه المناسبة العالمية أوجه الدعوة لهيئة المتاحف بوزارة الثقافة إلى إعادة تقييم هذه المتاحف ودعمها وتشجيعها بالشكل المناسب، وتكريم أصحاب المتاحف المميزة منها التي توفرت بها كل الشروط والمتطلبات ومثلــت واجهـــة حضارية وثقافية مشرقة للبلاد، والعمل على اصدار دليل خاص للتعريف بهذه المتاحف للزوار والسياح وطبيعة اهتمام كل منها وابرز موجوداتها، إلى جانب توعية ملاكها باتباع أفضل وسائل التواصل مع الجمهور بشرائحه المختلفة وكيفية التسويق والإعلان لمتاحفهم وتدريبهم على كيفية تنظيمها وفق المنهج العلمي لكي تستمر في أداء رسالتها.