د.عبدالله بن موسى الطاير
حضرتُ أعمال الجمعية العامة من على مقاعد المراقبين لأول مرة في الدورة 73 في سبتمبر 2018م، ولفت انتباهي كون البرازيل المتحدث الأول بين الدول متقدمة على دولة المقر (الولايات المتحدة الأمريكية) وعلى دولة الرئاسة في تلك الدورة الإكوادور، وعلى الأمين العام للأمم المتحدة، ولأن المشهد ذاته تكرر معي في دورتين لاحقتين فقد وجدت أن السبب يعود إلى أنه، وفي الأيام الخوالي، عندما لم يكن أحد متحمسا لأخذ زمام المبادرة في إلقاء الخطاب الأول، تطوعت البرازيل باستمرار لتكون المتحدث الأول، ونتيجة لذلك، حصلت على شرف افتتاح الجمعية العامة كل عام. ومما أذكره عن تلك المشاركة أن الجمعية العامة في ذلك العام استقبلت ضيفا فريدا وهو الرضيع البالغ من العمر 3 أشهر، ابن رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن، حيث كانت تحمله معها في مقعد دولتها وفي أروقة الأمم المتحدة.
مناسبة الكتابة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة هو التصويت التاريخي على مشروع قرار حول أحقية دولة فلسطين بالانضمام عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة الذي جرى يوم الجمعة 10 مايو 2024م في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، والذي أيدته 143 دولة من أصل 193، وعارضته 9 دول، وامتنعت 25 دولة، وتغيبت دول أخرى في إجراء تكتيكي معروف للتهرب من استحقاق التصويت.
مندوب إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان تميز من الغيظ، ووقف من على منبر الجمعية العامة يوبخ الدول الأعضاء، ويصرخ فيها «عار عليكم»، واتهم المنظمة أنها توفر ملاذا للإرهابيين، وأنها يوما ستتحول إلى منصة لداعش وحماس وبوكو حرام، واتهمها بالعودة للنازية، وبالوقاحة قائلا: لقد اختارت هذه الهيئة «الجمعية العامة» الوقحة مكافأة النازيين المعاصرين، واتهم 143 دولة بعداء اليهود، ثم اختتم حديثه بتمزيق ميثاق الأمم المتحدة. عندها توقعت أنه سيعلن انسحاب إسرائيل من المنظمة، لكنه لم يفعل.
لقد كرر جلعاد موقف معمر القذافي الشهير في الدورة 64 للجمعية العامة التي عقدت في سبتمبر عام 2009م، الذي امتد لمدة 100 دقيقة مطالبا بإلغاء حق النقض (الفيتو)، ومتهما مجلس الأمن بأنه لم يوفر الأمن للدول الأعضاء، بل وفر الإرهاب والعقوبات، واختتم خطابه الماراثوني بتمزيق ميثاق الأمم المتحدة، دون أن يعلن انسحاب بلاده. إندونيسيا وحدها في عام 1965م، دخلت التاريخ عندما أصبحت الدولة الأولى والوحيدة التي قدمت خطاب نوايا للانسحاب من الأمم المتحدة في أعقاب نزاع مع ماليزيا.
ومع أن من المفترض أن تستمر الخطب في الجمعية العامة للأمم المتحدة لمدة أقصاها 15 دقيقة، فإن رئيس الجلسة لا يقاطع المتحدثين، ومن ثم، فإن بعض المتحدثين في الجمعية العامة يستغرق خطابه ساعات وليس دقائق.
سبق القذافي الذي تحدث في 100 دقيقة فيدل كاسترو في 26 سبتمبر 1960م الذي امتدت كلمته في الجمعية العامة أربع ساعات ونصف الساعة (269 دقيقة تقريبًا).
ومن الخطابات الغريبة من على تلك المنصة كلمة هوغو تشافيز رئيس فنزويلا السابق حيث وصف الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في الدورة 61 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من عام 2006م بالشيطان، قائلا: «بالأمس، جاء الشيطان إلى هنا، هنا، ولا تزال رائحته النتنة على المنصة حتى اليوم». ومن الخطب الغريبة على منبر الجمعية العامة كلمة الرئيس ترمب في الدور 72 للأمم المتحدة في سبتمبر 2017م التي قال فيها إن بلاده تتمتع «بقدر كبير من القوة والصبر، ولكن إذا اضطرت للدفاع عن نفسها أو عن حلفائها، فلن يكون أمامها خيار سوى تدمير كوريا الشمالية بالكامل. وبعدها بأقل من سنة التقى الرئيس ترمب في سنغافورة رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، والتقاه ثانية في هانوي وعرض عليه توصيله بالطائرة الرئاسية إلى بيته، ثم التقاه ثالثة على الحدود ين الكوريتين.
وقبل أن نبرح الجمعية العامة نشير إلى المطرقة الشهيرة، ففي عام 1952م قدمت أيسلندا مطرقة لرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، تستخدم لافتتاح الجلسات ورفعها، والموافقة على جدول الأعمال واعتماد نتائج التصويت على القرارات، وتحولت مع الوقت إلى تمثيل رمزي للجمعية العامة، واجتماعات المنظمات الدولية والإقليمية. انكسرت الهدية الأيسلندية عام 1960م، على يد الدبلوماسي الأيرلندي فريدريك بولاند، وتم طلب مطرقة جديدة من أيسلندا لكنها اختفت في عام 2005، مما استلزم شراء بديل لها.