عبده الأسمري
ما بين «شعور» الإلهام و«استشعار» المقام، أبقى «مآثر» المهام فاخرة في موازين «العلا»، وترك «مناقب» الاستلهام زاخرة في ميادين «المعالي».
وزع إهداءات «الاستشارة» بروح فتية عانقت «آفاق» التأثير، مرسخاً التسطير في صفحات «المهارة» والتقدير في منصات «الجدارة».
استأنس بموجبات «الأدب» وعزائم «التاريخ» وحصد «إضاءات» التربية، وكتب «إمضاءات» الثقافة في «فضاءات» متنوعة، كان فيها «المتوج» بشواهد التأليف، و«الفائز» بمشاهد التوصيف.
رافق العلم واقترن بالتوثيق، وارتبط بالبحث حتى تحول إلى العامل المشترك الأكبر في «أفضلية» التنوع والناتج المؤكد في «معادلة» الاعتدال.. والرقم الصحيح في «أحقية» الوسطية، والعدد الثابت في «أسبقية» المعرفة.
إنه الأديب والمفكر والمستشار معالي الدكتور محمد بن سعد الشويعر -رحمه الله-، أحد أبرز الأدباء والمؤرخين والتربويين في الوطن..
بوجه نجدي، وسحنة مسكونة بسكينة باهية وطمأنينة زاهية، وتقاسيم مألوفة تسطع منها علامات «الجد» وسمات «الود»، وملامح تتجلى وسطها ومضات الصمت والسمت والألفة والتآلف.. وعينان تلمعان حين المهمة وتدمعان حيث الرحمة وشخصية وسطية المنهج معتدلة الرأي عميقة الفهم جلية البحث قويمة الرؤية مستديمة الثبات، وصوت ذو لكنة نجدية وسكنة ندية، محفوف بفصاحة مذهلة، تتقاطر منها عبارات «الفصحى» واعتبارات «الحسنى» ولغة عصماء قوامها المخزون الديني، ومقامها المكنون الشرعي، وكاريزما مسجوعة بأدب جمّ، ومشفوعة بتواضع عميق، ومسيرة باهية «الاكتمال» وزاهية «الامتثال»، ومسيرة ترفل برفقة «الأخيار» ومرافقة «الخيّرين»، قضى الشويعر من عمره عقوداً وهو يستشعر هموم الأمة، ويشعر بأبعاد المرحلة، ويملأ دروب العلوم بكنوز المعارف، ويبهج معالم التأثير بسمو المشارف؛ عالماً، وعلماً، ومؤلفاً، وأديباً، ومؤرخاً، ملأت سيرته آفاق الذاكرة بالقيمة، والقامة، والمقام، ومستشاراً، ورفيق وجامع تراث وفتاوى العلامة الشيخ ابن باز لسنوات، رسّخ فيها «المعالم»، وسخّر خلالها «المعاني»، وحفظ وسطها «الفتوى»، وأقام فيها صروحاً من المضامين والعناوين التي خلّدت العوائد والفوائد.
في شقراء درة «الوشم» وعروس نجد العذية، ولد الشويعر عام 1359هـ، في يوم تكلل بالفرح، وتجلل بالسرور، وسط أسرة تقية، شهيرة بالفضائل، مشهورة بالمكارم، توارثت العلوم، واستورثت المعارف، وتناقلت المنازل المجاورة «شذى» المباركة، و«أريج» المشاركة..
ركض بين أقرانه متوشحاً رداء «التدين» الباكر الذي ملأ قلبه بعبير «التقوى»، وعطر وجدانه بأثير «اليقين».
تفتحت عيناه طفلاً على والد كريم تقي نقي، غمر فؤاده بالنصح والنفع الذي شكَّل له «طرائق» الإنجاز، ووضع له «خرائط» الاعتزاز، وأم حنونة عطوفة، فرشت طريقه بالبركات في دعوات قيام، وابتهالات تهجّد، كانت له الضياء في الصغر، والإمضاء في الكبر.
تعتقت نفسه بنفائس «السكينة» في مرابع عشيرته المكتظة بالفضل، وتشربت روحه أنفاس «الطمأنينة» في مجالس قومه العامرة بالنبل، وتفتقت ذهنيته بالعديد من الرؤى الباكرة التي رسمت له مسارات التفوق، فظل ثاوياً في أهل «الخير» ينتهل من مساجد قريته ومن مواطن عائلته «زاد» الإحسان، الذي تحوّل إلى «مشاعل» أنارت طريقه بالتميز والامتياز.
تلقى تعليمه العام في بلدته، وحصل على درجة البكالوريوس من كلية اللغة العربية بالرياض عام 1379هـ، ولأنه مسكون بالدوافع، واصل دراسته، ونال دبلوم تربية من المركز الإقليمي لليونسكو في بيروت عام 1386هـ، ثم حصل على درجة الماجستير في الأدب والنقد من جامعة الأزهر عام 1394هـ، وواصل تعليمه ونال الدكتوراه في الأدب والنقد من الجامعة ذاتها عام 1397هـ.
التحق بالمجال الوظيفي، وعمل معلماً عام 1380هـ، وتدرج في العديد من الوظائف في الرئاسة العامة لتعليم البنات، وتعيّن على منصب مستشار في مكتب رئيس الرئاسة العامة لرئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
ساهم في المجال الثقافي والعلمي، وله عضويات في عدة لجان وجمعيات، وترأس تحرير مجلة البحوث الإسلامية، والمجلة العلمية الصادرة عن هيئة كبار العلماء، وكتب العديد من المقالات المتنوعة في الصحف والمجلات في داخل السعودية وخارجها، وأصدر عشرات الكتب في التاريخ والأدب.
نال ثقة الشيخ عبدالعزيز بن باز، وعيَّنه مديراً لمكتبه وكبير مستشاريه، وكان ملازماً له في حلِّه وترحاله، وجمع تراثه في مؤلف كبير تحت (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة)، وجمع فتاوى ابن باز وترتيبها في برنامج (نور على الدرب).
ووصل عدد المجلدات الخاصة بالفتاوى إلى 34 مجلداً، وقد برع الشيخ الشويعر في التأليف عن كتب السير والتاريخ، ووثَّق لمراحل متعددة، ومن هذه المؤلفات:
نجد قبل 250 سنة نافذة على الحياة العلمية والثقافية والاجتماعية والسياسية، وكتاب حائل مدينة وتاريخ والحصريان (دراسات)، والحصري وكتابه زهر الآداب (أطروحة الدكتوراه)، وأبو الشمقمق: شاعر الفقر والسخرية، وفصول من تاريخ حائل، وفصول من تاريخ شقراء، وعبدالله بن رواحة: رائد شعر الجهاد الإسلامي: حياته وشعره، ونجد قبل قرنين ونصف، ومن مشاهير علمائنا.. وغيرها من الإصدارات المتنوعة.
وفي عام 1407هـ صدر له كتابه الشهير (تصحيح خطأ تاريخي حول الوهّابية)، يفنّد الخلط بين الوهبيّة أو الوهّابيّة، وقد تمت ترجمته إلى حوالي سبع لغات مختلفة حول العالم.
وقد نشر الشويعر مئات الأبحاث والدراسات والسير في مجال الشريعة والأدب والتاريخ والسير، ولا تزال موجودة في المكتبات، وتمثل مورداً غنياً للبحث والنقاش والتحليل والدراسة وطلب العلم.
وتم تكريم الشيخ الشويعر في أكثر من محفل وموقع؛ نظير ما قدمه، رغم عزوفه عن «فلاشات» الثناء و«أضواء» الذكر، لأنه عاش منكَّباً على بحوثه وكتبه ودراساته، ووظَّف ساعات يومه ما بين العبادة والعمل، وقضى سنوات طويلة في التأليف واعداد بحوث قيِّمة في كل الاتجاهات.
مضى الشويعر في مهامه المضيئة، حريصاً على قضاء الحاجات، وإنهاء المتطلبات في كل عمل ينهجه بحماس متواصل، وجهد دؤوب، ومثابرة أمام كل مهمة، ومصابرة عند كل معضلة، فظل قريناً للكفاح، مقترناً بالنجاح، مولياً «قبلة» اهتمامه شطر «المنجز» في كل متن وشأن.
انتقل الشيخ الشويعر إلى رحمة الله يوم الجمعة 17 رمضان عام 1442هـ، ووُوري جثمانه ثرى مقبرة النسيم بالرياض، وقد انعكس خبر وفاته على تلامذته ومعارفه وطلاب العلم الشرعي، ونعته وسائل الإعلام ووسائل التواصل، وعزّى فيه المسؤولون والوجهاء والعلماء، واقترن رحيله باستعراض مناقبه وأثره الكبير وتاريخه المضيء في جوانب العلم والمعرفة، ومرافقته للشيخ ابن باز، وما أبقاه من إرث خالد عظيم في كل الاتجاهات والمجالات، والتي وضعته في «مقام» الانفراد في مجال التأليف النوعي المتنوع، وتمكنه في أكثر من علم وتخصص وقطاع ومجال.
رغم مهامه الكثيرة والمتعددة والمتمددة، فقد كان الشيخ الشويعر -رحمه الله- حريصاً على العمل الاجتماعي والوصال العائلي والتواصل المجتمعي، وترك من بعده «ذرية» مباركة على قدر عالٍ من التعليم والمعرفة والتميز، حملوا لواء «العلم»، وحققوا راية «التربية»، وأتموا «غاية» التوجيه.
الشيخ محمد بن سعد الشويعر المستشار الأمين والمؤلف المؤتمن الذي أشعل «قناديل» المنافع في المتون العملية، والشؤون الفكرية، ووضع اسمه في قوائم «البارزين»، وأبقى صيته في مقامات «المتميزين».