أحمد المغلوث
لا أدري إن كان أحد قرأ هذه الزاوية شاهد «الضفادع» وهو صغير كما شاهدتها بل وكنت أكاد أقفز خلفها في القنوات الطينية في بستان خالي عندما أذهب معه وأنا متمترس (بنبالتي ودفتر الرسم وأقلامي الملونة. ومجلتي سندباد وميكي)؛ حيث يطيب لي أن أقضي وقتاً ممتعاً في البستان منذ الصباح الباكر، وكانت والدتي رحمها الله تعد لي «مطبقة» تضع بداخلها قطع من الخبز الأحمر وبيضتين مسلوقتين وقطعة حلوى وتوصيني خيراً أن لا يشغلني الرسم أو مطاردة العصافير أو الضفادع في «ثبارة» النخل عن الدراسة، وكانت هذه الثبارة عادة ما تتكون من المياه الراكدة بعد الري وتتضاعف عندما يهطل المطر خاصة في فصل الشتاء نأتي عادة للنخل بسيارة خالي الوردية الميركوري أحيانا يأتي معنا ابن خالي لكن أغلب الأيام أنا الذي أحرص على الحضور عادة.
يعود خالي إلى عمله، وكان من أوائل الذين تعلموا ميكانيكا السيارات في أرامكو فبات مهندساً يشار له بالبنان، بل كانت الشرطة في الأحساء في ذلك الوقت تعتمد عليه في تحديد حوادث المرور، بل وكانت ورشته الكبيرة والتي كانت تقع جنوب قيصرية المبرز تعج بالعديد من السيارات التي يقوم باصلاحها، طبعا كان لديه مجموعة من أبناء المبرز والذين يعملون معه وتعلموا على يديه كيفية اصلاح السيارات علي اختلاف أنواعها، بل أن بعضهم بعد أن «تشرب العمل واكتسب خبرة في هذا المجال وبالتالي فتح له ورشة، وعادة كان يحرص على أن يتردد علي البستان «النخل» صباحاً ليتفقده وما قام به عمالها من أعمال كلفهم بها.
بل كان حريصاً - رحمه الله- أن يتفقد «حوش» الأبقار والماعز والخراف وبعد جولة سريعة في مختلف أنحاء البستان يتجه فورا لبركة السباحة ليسبح لفترة وبعد خروجه من البركة الأسمنتية يجلس في مجلس المزرعة والمجاور للبركة وعين الماء، وعادة كان يتردد عليه بعض من معارفه من أهل بلدة «المطيرفي» المجاورة لبستانه فهم يعلمون بوقت حضوره، في مثل هذا الوقت ضحى كل يوم..
كنت مستمتعا بمشاهدة الضفادع وهم يتقافزون في الثبر القريب من المجلس عندما شاهدت أحدهم راكبا حصان أبيض وهو يتجه للمجلس، وشعرت بسعادة عندما أوقف الرجل الحصان بجواري وربط اللجام بشجرة الورد ودلف داخله وكنت خلفه أسارع الخطى عندما قام خالي مرحباً وهاشاً وباشاً وعلى «الدواشق» المطرزة بالزهور جلسا وراحا يتبادلان الأحاديث جلها كان يتعلق بالنخيل وآخر أخبار إذاعة بغداد وصوت العرب واقتنمت فرصة توقفهما لتناول القهوة سألت خالي: ليه الضفدع ينقنق، وبعدها اسمع نقيق مجموعة من الضفادع مرة وحدة واليوم فقط قرأت رداً على سؤالي لخالي وحتى أبا على ضيفه في البستان اللذين لم يجيبا على سؤالي الحائر عندما كنت لم أتجاوز التاسعة من عمري ..
تذكرت ذلك عندما سألني شقيقي العميد ركن بحري خالد عن استفسار أحد زملاء دراسته المهندس يوسف والذي كان يذاكر معه في صالة طعام بيتنا القديم في صالة الطعام الوردية ولوحة الحصان العربي وشرفة البستان والورد التي رسمتها وأنا في الثالثة عشرة حفزني سؤاله على البحث عن إجابة: لماذا ينقنق الذكر فعرفت اليوم وأنا أكتب هذا السطور يفعل ذلك الذكر لجذب الإنأث اللاتي يرددن عليه «بنقنقة» جماعية وجذابة ليختار من تنال إعجابه.