عبدالله إبراهيم الكعيد
يُطربني شخصياً سماع قول «عندي فكرة» وخصوصاً من الصغار. أُصغي بكل اهتمام لأفكارهم إذ أراها أكثر صدقاً وحيادية من الكبار الذين تتمحور أفكارهم في الغالب حول مصالح ومكاسب شخصية. الصغار يقولون أفكاراً مدهشة حتى وإن كانت بسيطة ومتواضعة وضمن حدود مفاهيمهم واهتماماتهم. يكبرون فتتلوث أفكارهم بفعل الحقن المقصود أو غير المقصود. ذلك الصغير حينما يكبر وتتلوث أفكاره البريئة يكف عن التصريح حيث يتوهم حينها بأن قول «عندي فكرة» والتصريح بها قد يُعرّضه للمساءلة.
السؤال: من الذي أوحى للناس بأن إعلان الأفكار جُرم يُعاقب عليه القانون؟ أجزم بأننا في بلادنا المملكة العربية السعودية تُشجّع الأجهزة الرسمية أفراد المجتمع على طرح أفكارهم البناءة وتمريرها عبر مختلف الوسائل المُعلن عنها للجميع. أذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر أمانات المُدن والبلديات التي تناشد الناس كل الناس دون تفريق بين مواطن أو وافد للمساهمة في طرح رؤاهم عن مستوى الخدمات التي تُقدّم لهم، بل وتُتيح لهم الفرصة للنقد والشكوى. الدليل فكرة (صوّر وأرسل) التي تجد الاهتمام والمتابعة الدقيقة من قِبل تلك الأجهزة واتخاذ الإجراءات الفورية للمعالجة ومن ثم سماع الأفكار التي تسعى للصالح العام.
عملية التفكير التي تتولد عنها الأفكار يمارسها كل البشر ممن يملكون عقولاً سليمة غير معطوبة. فأنت تفكّر وأنا أفكّر وهم يفكرون سواء كممارسة مقصودة مثل أن يُطلب منّا اتخاذ قرار يمس حياتنا فنطلب مهلة للتفكير، أو غير مقصودة حينما تداهمنا الأفكار تلقائياً وتُسيطر على عقولنا. هناك تفكير آخر، لحظة مواجهة مشكلة طارئة لم تك في الحسبان فنضطر للتفكير سعياً وراء إيجاد أفضل الحلول للخروج منها.
أفكار الفرد تُنسب له كأولاده. عليه تحمّل نتائجها في حالة إشهارها. قد يستسيغ البعض تلك الأفكار وقد يرفضها البعض الآخر وهذا أمر طبيعي ما دامت غير ملزمة لأحد. المُلاحظ بأن هناك فئة شغلها الشاغل هو تتبع مفكّر معيّن وشيطنة أفكاره مهما كانت منطقية ومعقولة. لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتم تجييش الأتباع للتأليب على ذلك المفّكر وتأويل أفكاره إلى مقاصد لم تك في نيّة القائل ولا في حسبانه.
لا يعني كلامي هذا أنني ضد نقد الأفكار. فكل فكرة قابلة للنقد والنقض، لكنني لست مع شيطنة الأفكار وتسفيهها.
يُوكّد الكاتب الروسي الدكتور اليكسي فارلاموف عدم جود ما يُسمى بالأفكار النقيّة الخالصة من الشوائب. في روايته الشهيرة (ذئب الأفكار) يصف كيف يتغلغل ذلك الذئب إلى أعماق الكائن البشري بحيث لا يمكن لأحد أن يعرف متى وأين كانت ولادته، ومن أي مجاهل كانت وفادته؟
يُمكن للبشر حسب رؤية فارلاموف أن يكونوا من خلال أفكارهم أكثر نقاءً وأصالة من ذواتهم هم فالفكرة تنتقل من إنسان لآخر عبر قنوات غير مرئيّة.
أيّاً كانت ظروف طرح الأفكار ووسائل إشهارها على الملأ وأيّاً كانت قنوات انتقالها بين البشر لا يصح شيطنتها ما دامت في حدود المسموح وتُناوِر داخل أطر القوانين والأنظمة.