خالد بن حمد المالك
لا توجد دولة في العالم كما هي إسرائيل، تتصرّف وكأنها خارج منظومة الأمم المتحدة، وكأنّ لها الحق في التعامل في حروبها وفق ما تراه لا كما يراه القانون، مُطمئنة بأنه لا يوجد من يحاسبها على جرائمها، أو يدينها على مجازرها، فلديها غطاء أمريكي يسمح لها بأن تتصرف على نحو ما تراه في غزة، حيث تمارس حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني، دون حسيب أو رقيب.
* *
منذ ولادة إسرائيل المأفونة دولة مزروعة في قلب العالم العربي، وهي تتصرف دون وجل أو خوف أو اكتراث بما سيقال عن جرائمها وسلوكها، طالما أن واشنطن تتفهم أعمالها، وتؤيدها، وتقدم الدعم العسكري والسياسي لها، ولا ترى بأساً في أن تقوم بما تقوم به في قطاع غزة، بل إنها تتفهم ذلك، وتبيحه، وترى فيه حقها في ما تسميه دفاعاً عن النفس.
* *
أفهم أن تكون أمريكا على حق في اصطفافها مع إسرائيل في قتل الفلسطينيين، لو كان الفلسطينيون هم من يحتل أراضي لإسرائيل، أو من يعتدون على الإسرائيليين، أو من يحكمون قبضتهم على أسرى بالآلاف، أو يمارسون معهم كل أصناف التعذيب، لكن لا أفهم أن يكون هذا هو الموقف الأمريكي، بينما إسرائيل هي من تحتل أراضي الفلسطينيين، وهي من تقتلهم بالآلاف وتودع بالسجون الآلاف منهم بأحكام جائرة مدى الحياة.
* *
أفهم أكثر بأن على أمريكا وغير أمريكا أن يسخروا كل إمكاناتهم للدفاع عن إسرائيل الدولة الضعيفة المهددة بالزوال لو كان هذا الكلام واقعياً وصحيحاً، وأنها لا تمتلك القوة للدفاع عن نفسها، لكن الحقيقة غير ذلك، فإسرائيل هي الأقوى عسكرياً، والمعتدية، والمحتلة، ومن تمارس القتل الممنهج ضد المدنيين الأبرياء، بما لا يحتاج إلى دليل أو إثبات.
* *
وما يجري في غزة دليل دامغ على أن إسرائيل دولة إرهابية، وأنها لا تؤمن ولا تعير اهتماماً بأن أمامها فرصة مطروحة للسلام والاستقرار إذا ما أبدت قبولاً للتنازل عن حقوق الفلسطينيين، ومد يدها للتعاون معهم، والقبول بخيار الدولتين لوضع حدٍّ لهذا الصراع الدامي الذي يقضي على الأخضر واليابس، ويعرض المدنيين المسالمين للقتل بدم بارد.
* *
وإذا كان هناك من لا يلوم إسرائيل التي تسعى للتوسع، وبسط نفوذها في المنطقة، ورفض أي تسويات تلزمها بالتخلي عن الأراضي الفلسطينية، وقيام الدولة الفلسطينية، فإن هناك من يلوم أمريكا والغرب على تعضيدها ودعمها ومساعدتها في التمسك بهذه القناعات، ورفضها أن ينال الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، حيث نرى في مواقفهم تشجيعاً لإسرائيل لتواصل احتلالها.
* *
فمنذ سبعة شهور، وكل أنواع الأسلحة الأمريكية يُسمع صوتها في عدوان إسرائيل على الفلسطينيين، ولا تعتمد إسرائيل إلا عليها في قتل الفلسطينيين، وكلما قل مخزونها من هذه الأسلحة تم إمدادها بأكثر من حاجتها، دون أن تبرر أمريكا سبب مشاركتها في هذا العدوان، أو الشعور بالندم أمام آلاف القتلى والمصابين من الفلسطينيين.
* *
لقد غاب الضمير، وسقط القناع، ولم يعد هناك ما تخفيه واشنطن أو تتستر عليه، بعد أن انكشف الغطاء، وظهرت أمريكا على حقيقتها بأنها العدو الأول للسلام في العالم، تتعامل بوجهين، وسياستين، بازدواجية، ووفق ما يلبي ما تقول إنه يخدم مصالحها، مع أن ذلك ليس صحيحاً، وإلا لما كانت مكروهة على نطاق واسع في العالم.