د. محمد بن أحمد غروي
شاركت الأسبوع المُنصرم في أضخم تجمع ديني عالمي في العاصمة الماليزية كوالالمبور إلى جانب 2000 شخصية فكرية دينية من 57 دولة، ويأتي في إطار جهود مشتركة بين مملكة ماليزيا الاتحادية ورابطة العالم الإسلامية؛ لتأسيس منصة دينية عالمية هدفها تعزيز سبل التعاون الحضاري الدولي، والعمل على المشتركات لترسيخ الوئام بين أتباع الأديان في عالمنا، للوصول إلى حلول لمعضلات التعايش بين الجميع، وهي إحدى التحديات التي تواجه عالمنا المعاصر، إن لم تكن في المقدمة.
هناك تقدير ملحوظ من لدن الملك والحكومة والشعب الماليزي للدور الذي تؤديه الرابطة وأمينها العام ورئيس هيئة علماء المسلمين معالي الشيخ الدكتور محمد العيسى على المستوى العالمي. وتُعد ماليزيا تحديدًا أنموذجًا حيًّا للتعايش السلمي رغم الاختلافات الدينية والعرقية المتنوعة؛ لذا فإن عقد «المؤتمر الدولي للقادة الدينيين» فيها رسالة غاية في الأهمية من الناحية الإستراتيجية التعايشية، ومثل هذه المنصات تسهم في تعزيز الحوار والوئام بين أتباع الأديان، وتبني الجسور بين الحضارات، وتجذير منطلقات تفاهمها وتعاونها لتحقيق صالحها المشترك.
من المهم أن نُدرك أن التفاهم والتعاون لا يمس الهوية الدينية، فلكلٍّ دينُه وثقافته وحضارته، وما يُشار له هنا وجود رغبة ماليزية جامعة لتعزيز مكانتها عالميًّا كمنصة للحوار الديني، واستجاب لهذه الرؤية معالي أمين الرابطة العالم الإسلامي باعتماده قمة كوالالمبور الذي يسعى إلى تعزيز الفهم الصحيح عن الإسلام ودعم رسائل السلام عالميًّا وتفعيل قمة القادة الدينيين المستجلبة للنماذج الحضارية التي تَبْني جسور التعاون والسلام بين الجميع لصالح الجميع.
كما علينا أن نعي أن للأديان دورًا فاعلًا تعزيز سلام عالمنا ووئام مجتمعاته، فضلًا عن أن الحوار الفعال والمثمر هو السلوك الأمْثل لحلّ النزاعات وإنهاء الصراعات، وتجسير العلاقات بين أتباع الحضارات. ولا شك أن التنوع الثقافي والديني ونتاجه الفكري يستلزم إقامةَ شراكةٍ صلبة حضارية فاعلة؛ وتواصُلاً بنَّاءً، ضمن عقْد اجتماعي مشترك، يستثمر تنوع الرؤى في خدمة الإنسانية، وتحقيق التنمية الوطنية الشاملة.
إن المواطَنة الحقة تستلزم على الجميع احترام قوانين الدولة الوطنية وهُويتها، وعدم تهديدها أو التحريض عليها، ورفْض سلبيات التقسيم للمجتمعات على أساس ديني أو عرقي، والتصدي لإثارة نعرات الكراهية والعنصرية. كما أن التحالف الديني والتبادل الثقافي لتحقيق الأهداف الحضارية المشتركة هو الأنموذج الأكمل لتخليص عالَمنا من تهديدات صدامه وصراعاته ذات الصلة.
التوصيات التي شدد عليها الحاضرون على إشاعة الخطاب الديني المعتدل وأهمية التآخي بين المجتمعات ونبذ التطرف وتكثيف اللقاءات المماثلة وإرساء قيم التعايش وتشكيل فرق حكومية ودينية لتحقيق أهداف المؤتمر، هي منطلق محوري، وأهمية منصة إعلامية تتبَع للجنة العليا للمؤتمر، لتفعيل دور الإعلام في تعزيز الوعي باستيعاب السنة الكونية في التنوّع بين الشعوب والحضارات، إضافة إلى فتْح قنَوات مبتكرة للتواصل بين المكونات المختلفة حول العالم، وتشجيع مبادرات التآخي حول المشتركات وتفكيك الخطابات العنصرية والإقصائية.
انتهى المؤتمر، ويبقى تطبيق توصياته التي تستلزم جهدًا حكوميًّا ودينيًّا دوليًّا مشتركًا لتفعيل بنوده التي أجزم أنها ستغير من نظرة الجيل القادم حول مفهوم التعايش الحتمي الذي يحمي كوكبنا من الصراعات والحروب باسم الدين والرّب.