عثمان بن حمد أباالخيل
في عربات القطار، في ملاعب كرة القدم، في صالات السينما، في اللقاءات السنوية، في مقاعد مقصورة الطائرات، في اجتماعات الجمعيات العمومية، في قاعات الجامعات وفي طاولات المطاعم، في وسائل النقل، وفي تفاصيل الحياة حين يخصص لك أو لكِِ مقعد. تتفاجأ أن أحدهم أو إحداهن يجلس في مقعدك. ببساطة وتحضر وبلباقة تطلب ممن أخذ مقعدك أن يغيّر مقعده ويأتيك الرد أحياناً وربما أحياناً كثيرة المقاعد كثيرة ويشير إلى المقاعد الفارغة. ردود الفعل مختلفة على اختلاف النفسية والعصبية والسكينة والثقافة والمنصب والروح الرياضية. شخصياً مقعدي المفضل في الطائرة إلى جانب النافذة في إحدى رحلاتي إلى تايوان تفاجأت أن مقعدي ممر مع العلم أن تذكرة ركوب الطائرة تشير إلى مقعدي المفضّل وجدت سيدة تأخذ مقعدي حاولوا إقناعي بالقبول فكان ردي الرفض أو إلغاء رحلتي إصرار عجيب لكنه حدث وبعد جدال حصلت على مقعدي المفضل.
في الحفلات الرسمية وضع خريطة بالمقاعد وأرقامها، ووضع بطاقة على كل مقعد. هذا الأسلوب وهذه الطريقة معممة على جميع أنشطة الحياة على اختلاف مسمياتها. أستغرب من هذه الشريحة من الناس لماذا يحرجون أنفسهم ويتصرفون بصورة غير حضارية مع أنه يعرف رقم ومكان مقعده. لا ألوم من لا يعرف رقم مقعده ويعتذر في الجلوس في غير مقعده المخصص له لأسباب كثيرة ويصر على البحث عن مقعده. الإنسان ربما يحمل الرقم واحد وربما اثنين وربما عشرة وربما مئة وربما لا رقم له. مكان تواجد الإنسان يحدد كمْ رقم جلوسه بين الآخرين، حين يجلس مع أمه فهو الرقم اثنين، وحين يكون مع أبيه فهو الرقم اثنين، وحين يكون مع أولاده فهو الرقم واحد، وحين يكون مع زوجته إما الرقم واحد أو اثنين، وحين يكون مع إخوته فرقمه حسب أعمار الآخرين. مكان جلوس الإنسان حسب رقمه وهو من يحدد مكان جلوسه وإن خاب توقعه عليه أن ينسحب بهدوء فلا عزة للنفس حين لا تقدّر. جميل أن يعرف الإنسان رقم مقعده في الحياة هذا الجمال مبعثه الثقة بالنفس وكم من أناس فقدوا الثقة حين بحثوا عن مقاعد تختلف عن مقاعدهم في الحياة.
يقول ابن خلدون في مقدمته إن «الإنسان اجتماعي بطبعه»، ما يعني أنه فطر على أن يعيش وسط الناس لا بعيداً عنهم، ويقيم بينه وبينهم علاقات اجتماعية وحوارات تدفع بحياته نحو مستقبل مختلف. لماذا هناك من يتجاهل ولا يراعي أدب الجلوس في المقاعد المخصصة لماذا يحرج نفسه. المكان الذي لا تحرج به نفسك هو ملعب كرة القدم حين تشتري المقعد الذي يعجبك وفي المكان الذي يعجبك ورقم المقعد الذي يعجبك إنه خيارك. دعوة للذين لا يلتزمون بمقاعدهم لا تحرجوا أنفسكم وتصبحوا تحت أنظار من يحيطون بكم.