ميسون أبو بكر
ضمن مبادرة الشريك الأدبي وهي إحدى المشاريع المتميزة لوزارة الثقافة التي تشهد حضوراً كبيراً في كل مرة في المقاهي والمكتبات شركائها الأدبيين؛ دعيت لمكتبة صوفيا بالرياض للمحاضرة الشيقة التي ناقشها الزميل الخلوق عبدالله وافية وقدمها الأستاذ سامي العريفي، وحفز موضوعها تفاعل الحاضرين وتعليقاتهم التي لم يوقفها إلا تجاوز الوقت.
طرح وافية قصصاً لمثقفين من أزمان مختلفة، استوقفتني قصة الأديبة مي زيادة وكيف تعامل بعض المثقفين معها؛ مما طرح السؤال الكبير في الندوة عن سلوك المثقفين إن كان يرتقي لمستوى حضورهم ومكانتهم الأدبية؟!
فهناك في تراثنا الأدبي قصصٌ مختلفة لمثقفين كان هناك تناقض بين ما وصلوا إليه عند جمهورهم من مكانة وبين سلوكياتهم، كما أن هناك أدباء وفنانين ماتوا انتحاراً، كبودلير، فيرجينيا وولف، كافكا وآرنست همنغواي، معظمهم عاش حياة بوهيمية أنتجت أروع الأعمال الأدبية انتهت بالانتحار، وكأن هناك علاقة بين الإبداع والدمار الشخصي!!
نزار قباني الذي كتب أهم قصائد الغزل وأكثرها جرأة في عصره، قال عنه الكاتب سمير عطاالله حين سألته عن واقع غرامياته إنه كان خجولاً، وإن ما كتبه ليس من وحي تجارب شخصية.
محمود درويش الذي حضرتُ له أمسية شعرية في العاصمة الأردنية عمان امتعض كثيراً وأوقف الأمسية ليطلب من الحضور قفل أجهزة الجوال أو مغادرة القاعة حين قاطعه رنين جهاز أحد الحاضرين.
حنا مينة الروائي السوري الذي كتب لي رسالة مطولة من سبع صفحات، أخبرني فيها بأنه تخلّف عن حضور إحدى الدعوات المهمة في جامعة دمشق التي احتشد فيها مئات من الطلبة ومحبوه من الوطن العربي؛ لأن مزاجه لم يكن مواتياً لمغادرة المنزل وتقديم المحاضرة.
السؤال الآخر الذي يطرح نفسه: هل يسامح الجمهور أولئك المبدعين على مزاجيتهم وبعض تصرفاتهم التي قد تشوه الصورة الذهنية لديهم حول من عشقوهم وقرأوا لهم!
وإن كانوا قدوة لعشاقهم فكيف نفسر الشاذ من تصرفاتهم! وهل تؤثر في الثقة بين القارئ والمبدع؟
أم نقنع أنفسنا بأن الإبداع لا يعني الاتباع، وأننا لا بد أن نفصل بين النص الأدبي وكاتبه! وأن نتاجهم المبدع يغفر لهم هفواتهم!
المحاضرة التي اكتظت بالحضور أعادتني لسلسلة من حلقات قدمتها في الإعلام الثقافي حول تفوق الصالونات الأدبية والمقاهي اليوم على المؤسسات الرسمية في جذب الحضور وما هي الأسباب! نوعية المحاضرين؟ أو عناوين المحاضرات أو أجواء المكان التي جعلت للندوة بعداً أوسع مع رائحة القهوة التي تفوح بالمكان وهي معشوقة الجماهير التي لها سحرها الخاص.
الثقافة مزهرة في بلادي.. عطرة بالمثقفين الذين فُتحت لهم أبواب عديدة للانطلاق والحضور والرقي بالمشهد الثقافي.
لقد عشنا لنرى أحلامنا حقيقة على الأرض، والثقافة من أولويات الرؤية التي كانت مرآتها أمام الآخر وخير رسول عن المملكة، والمواضيع التي كانت تطرح على خجل هي اليوم تطرح بعمق وتحظى بحضور الجمهور وشغفهم للمعرفة.
تحيةً من القلب للوزارة النشطة (وزارة الثقافة) التي تمد أذرعتها بكل مكان على خارطة الوطن وبمشاريع مبهرة من شأنها الارتقاء بالمشهد الثقافي.