د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
بدأ مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية برؤية واضحة لأهدافه التي أراد أن يحققها، لم يأتِ نسخة مكررة من مجامع أخرى كان لها السبق وأبلت بلاءً حسنًا حسب ما أتيح لها من إمكانات. أتى هذا المجمع وقد أنعم الله على خلقه بما هدوا إليه من ثورات تقنية مذهلة تختصر الزمن وتختزل الجهود ورأينا في وقت وجيز كيف استطاع هذا المجمع بجهود العاملين فيه وتوجيهات الحكومة الرشيدة أن تتعدد أعماله الخادمة للغة وطلابها والاعتماد الكبير على التقنية فظهرت المعجمات الحاسوبية وعقدت الندوات ونظمت المسابقات ومنحت الجوائز للمستحقين، ودعا المجمع طائفة من علماء اللغة ومن طلابها للاطلاع على منجزات المجمع، وكان لي حظ زيارة المجمع ولقاء الزملاء المتفانين في خدمة العربية، واطلعت على منصة المعاجم، ووفق الله المجمع أن رفعوا معجمي (معجم أسماء الناس في المملكة العربية السعودية) على هذه المنصة التي بها يستطيع من يشاء الاطلاع على معنى ما يشاء من الأسماء بل طلب إضافة اسم لم يجد له مدخلًا وهذه فرصة لإثراء المعجم وتجويده. وتشرفت بلقاء الدكتور عبدالله بن صالح الوشمي الذي تفضل بشرحٍ وافٍ عن المجمع وتلطف بالسير معي في جنبات المجمع فأطلعني على نشاط تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها وجناح الذكاء الصناعي وجناح الأبعاد الثلاثية في عالم افتراضي يمكن المشاهد من الولوج إلى الكتاب بطريقة أشبه بالسحر، وأراني ركن الطفل وتقديم اللغة بطريقة مشوقة تتضمن الألغاز والألعاب.
اهتم المجمع بنشر البحوث العلمية الجادة في دوريتين يصدرهما عن اللسانيات والسياسة اللغوية، ويهتم المجمع أيضًا بنشر نفائس الكتب في اللغة والأدب.
ولا شك أن المأمول من المجمع الحديث بما له من إمكانات تقنية أن يمضي قدمًا نحو الجمع اللغوي المنظم لما تحويه اللغات المحكية في بيئاتنا اللغوية المتعددة وهي الآن معرضة للنسيان والاندثار بما تتعرض له من أخطار العولمة وغلبة الثقافات الغربية وانصراف كثير من أبنائنا إليها ورغبتهم عن لغتهم لغة القرآن ولغة تراثهم المجيد واللغة مقوم من أهم مقومات الأمة. ومن المأمول أيضًا ما كتبت عنه سابقًا وهو اصطناع محرك بحث على غرار المكتبة الشاملة وتضمين كتب التراث وغير كتب التراث لتكون بين يدي طلاب العربية وأن يكون ذلك بعد تصحيح الكتب والحرص على ضبطها لأن ترك الضبط كان من أكثر عوامل انتشار الأخطاء الشائعة.
ولا جدال في أن منجز المجمع من معجمات هو عمل جليل؛ ولكن إن كفلت له جودة التقنية فإنه بحاجة إلى جودة المضمون من حيث الصواب اللغوي.
ومن الأمور الجليلة التي ينتظر أن يهتم بها المجمع مسألة الرسم الإملائي الذي نجد كثيرًا من الناس يضطربون فيه لاحتمال طرائق كتابية مختلفة والإملاء اصطلاح يسهل تقنينه والالتزام به، وينتظر من المجمع أن يكون سباقًا إلى هذا الالتزام ولكن الملاحظ أنه على سبيل المثال لا يلتزم برسم تنوين المنصوب إذ نجده مرة فوق الألف (زيداً) ومرة فوق الحرف (زيدًا).
إن من ميزات هذا المجمع أنه عالمي التوجه فهو خادم للغة العربية في مواطنها الأصلية وفي مواطن رحلت إليها بانتشار الإسلام وتلاوة القرآن كل يوم، ولا شك أن التقنية أسعدت المجمع على هذا الانتشار العالمي؛ إذ يستطيع طالب العربية مسلمًا كان أم غير مسلم أن يطلع على جهود المجمع وأن ينتفع بإنجازاته وأعماله الجليلة، وندعو الله لحكومتنا الرشيدة بالتوفيق والسداد لما توليه للغة العربية وطلابها من عناية ورعاية.