خالد بن حمد المالك
زيارة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان لليابان تعيدنا الذاكرة -وفق قراءاتنا- إلى سجل أول زيارة قام بها ياباني للمملكة، وذلك حين أدى الياباني (كوتارو ياماوكا) فريضة الحج مع فوج منغولي عام 1909م، وله كتابان عن المشاق التي واجهها في الحج، كما قام عدد من المسلمين اليابانيين لاحقاً بزيارة مكة المكرمة قبل الحرب العالمية الثانية.
* *
لكن الاتصالات الرسمية بين اليابان والمملكة بدأت عام 1938م بزيارة المبعوث السعودي لدى بريطانيا حافظ وهبة لليابان لحضور افتتاح مسجد طوكيو، وفي المقابل فقد زار المبعوث الياباني لدى مصر ماسيوكي يوكوياما المملكة عام 1939م لأول مرة كمسؤول ياباني والتقى الملك عبدالعزيز بالرياض.
* *
ويتحدث التاريخ عن التطورات في العلاقات بين البلدين, وأن أول وفد رسمي اقتصادي ياباني زار المملكة كان في عام 1953، بينما أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين في العام 1955م، وفي العام 1957منحت المملكة لليابان حق امتياز التنقيب عن البترول في المنطقة المحايدة مع الكويت، وتم توقيع اتفاقية الامتياز، حيث تم اكتشاف تجريبي للبترول في يناير من العام 1960م.
* *
الأمير سلطان بن عبدالعزيز حين كان وزيراً للمواصلات زار اليابان عام 1960م، وفي العام 1971م، زارها الملك فيصل، وتواصلت الزيارات بين المسؤولين في البلدين، فزار ولي عهد اليابان الأمير اكهيتو، وولية العهد الأميرة ميسيكو المملكة، قبل أن يصبحا فيما بعد إمبراطوراً وإمبراطورة لليابان.
* *
تواصلت الزيارات بين مسؤولي البلدين، فزار رئيس وزراء اليابان ريونارو هاشيموتو المملكة عام 1997م، كما زار اليابان الملك عبدالله عندما كان ولياً للعهد عام 1998م، وزار وزير خارجية اليابان يوهي كونو المملكة عام 2001م، وكل هذا يتم بينما تشهد العلاقات السعودية اليابانية على مدى أكثر من ستة عقود تطوراً هائلاً في التعاون بين البلدين.
* *
وكان لزيارة الملك سلمان في العام 2014م لليابان حين كان ولياً للعهد أهمية غير عادية في توثيق هذه العلاقات الاستراتيجية بين الرياض وطوكيو، بينما أوضح رئيس وزراء اليابان تشينز أبي خلال زيارته للمملكة عام 2013م أن العلاقات بين البلدين تقوم على التعايش والتعاون والتسامح، وفسر ذلك بأن التعايش يشير إلى الشراكة المبنية على المصالح المشتركة، أما التعاون فالمقصود به أنه يعتمد على التنسيق في العمل السياسي، في حين أن المعنى المقصود بالتسامح أنه يمثل المبدأ الأساسي لإنجاح التبادل بين الخبراء والطلاب في البلدين.
* *
وتوجت نتائج زيارة الملك سلمان لليابان بزيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لليابان 2016م، حيث التقى سموه بالعديد من الشخصيات كان أبرزها جلالة إمبراطور اليابان أكيهيتو وولي العهد الأمير ناروهيتو ورئيس الوزراء الياباني، ونتج عن الزيارة تطورٌ نوعيٌّ في العلاقات التاريخية بين بلدينا، حيث تم التوقيع على عدد من الاتفاقيات من بينها تعزيز التبادل الثقافي، ومكافحة تقليد المنتجات، والمنشآت الصغيرة والمتوسطة وتعزيز قدرتها على التنافسية، والاستثمار، وتبادل المعلومات.
* *
وفي مارس من عام 2017م كانت زيارة الملك سلمان لليابان بوصفه هذه المرة ملكاً للمملكة العربية السعودية، وخلال هذه الزيارة تم إطلاق الرؤية المشتركة رسمياً بين الدولتين، وتتمحور هذه الرؤية على تسعة قطاعات، هي الأمن الغذائي والزراعي، والإعلام والترفيه، العناية الطبية، البنية التحتية ذات الجودة العالية، المال والاستثمار، الصناعات التنافسية، الطاقة، بناء المنشآت الصغيرة والمتوسطة، الثقافة والرياضة والتعليم، ويشارك في هذه الرؤية 65 جهة حكومية سعودية ويابانية، بعد مشاريع مشتركة تصل إلى حدود 70 مشروعاً.
* *
وفي عام 2019م تم الإعلان عن الإصدار الأول لملخص الرؤية السعودية اليابانية 2030، وكانت الحكومة اليابانية قد افتتحت مكتب تحقيق الرؤية السعودية اليابانية في الرياض لمتابعة أوضاع كل الشركات اليابانية الموجودة في المملكة، كما أعلنت المملكة عن افتتاح مكتب لها في العاصمة اليابانية طوكيو عام 2020م.
* *
نختم هذه المقالة بقصة طريفة مفادها لماذا يترتب على كل ولي عهد ياباني أن يخص المملكة بأول زياراته الرسمية الخارجية؟ الجواب وفقاً لما كشفته دار الملك عبدالعزيز أن الحكاية تعود إلى عام 1953م عندما شارك الملك فهد بن عبدالعزيز -الأمير آنذاك- في مراسم تتويج الملكة إليزابيت الثانية في لندن نيابة عن الملك عبد العزيز, وآنذاك لاحظ أن ولي عهد اليابان (كي هيتو) جاء بعده في ترتيب الجلوس وفق بروتوكول القصر الملكي الإنجليزي، فسمح بتقديمه ليسبقه في ترتيب الجلوس بناءً على مكانة هيتو بوصفه ولياً للعهد في اليابان. هذا الموقف التاريخي حفظته الإمبراطورية اليابانية، وقررت تقديراً لذلك أن تكون المملكة البلد الأول الذي يزوره ولي العهد الياباني، وأن يصبح ذلك تقليداً دائماً لكل ولاة العهد في اليابان.