د. محمد عبدالله الخازم
أحد عناوين البرامج التي لفتت انتباهي وقررت مشاهدتها لاحقاً، كان برنامج «جسور» الذي عرض في رمضان. كنت محملاً بأسئلة وتوقعات ذات علاقة بقضايا الرحيل وتبادل/ صراع/ تنوع الثقافات المختلفة؛ لماذا يرحل الناس من بيئة/ مجتمع إلى آخر بما يحمله الأمر من أبعاد متعددة؟ متى نصنف الأمر رحيلاً/ تغرباً/ هجرة وهل العودة منه حتمية؟ كيف تبنى الجسور بين البلدان عن طريق الراحلين/ المهاجرين؟
مبدئياً، امتاز البرنامج بجودة الإخراج من الناحية البصرية التقنية، لكن ليس ذلك اهتمامي بقدر ما أنا باحث عن الحكايات البسيطة والحوارات العميقة. البرنامج يحكي قصة السعودي العامل والمقيم خارج المملكة، ويقدم صوراً جميلة تستطيع في بعض الحالات استبدال اسم الضيف لتجد الحديث ينطبق على غيره من الضيوف. وللإنصاف، ليس وحده سار على هذا المنوال، فأغلب البرامج الحوارية - مؤخراً- تهتم بتقديم (بروفايل) لامع لضيوفها متجنبة الحوارات الناقدة. لا أعلم مبررات ذلك؛ هل هو ضغط الرعايات والقنوات الراعية، ضعف الإعداد، أم خشية المحاذير الرقابية. أياً يكن الأمر، هذه بعض أسئلتي التي بحثت عنها في جسور:-
أول الأسئلة، لماذا اختار الضيف العيش خارج المملكة؟ حتماً لكل إنسان سببه؛ قد يكون هروباً من واقع اجتماعي أو بحثاً عن بيئة إدارية/ اجتماعية/ ثقافية يعتقد أنها أفضل له أو لعائلته أو لعدم توفر الفرصة الوظيفية المناسبة داخل المملكة، إلخ. هناك ما هو أكثر من الإجابات التقليدية، التي تعتبرها فرصة أو استقطاباً دون تفصيل. الفرص لا تكون على قارعة الطريق يصطادها المهاجرون كما يصور البعض، وإنما هناك دوافع ورغبات وجهود وعلاقات وقرارات، تدفع الإنسان للرحيل أو البقاء، أود التعمق فيها لغرض فهم آليات الهجرة والرحيل للمواطن السعودي المعاصر!
السؤال الثاني، ما الذي يقدمه المهاجر أو الراحل أو المقيم في الخارج لوطنه من موقعه في الخارج؟ وهل نتوقع منه تقديم خدمة ما؟ أحاول استيعاب مبرر/ وجاهة الاهتمام بإبراز الكفاءات المهاجرة كنماذج وطنية مميزة وإسهامها في بناء الجسور مع الوطن الأم عبر خدمات ملموسة. على سبيل المثال؛ في التعليم والتدريب، يهمني تعاون أولئك المهاجرين - أسوة بمهاجرين من جنسيات أخرى- في قبول وتدريب وتعليم الشباب السعودي في مؤسساتهم الأجنبية، باعتبار العلاقات مهمة في دعم القبول للدراسة والتدريب والعمل.
السؤال الثالث، تبدو الفرضية في هذا البرنامج وغيره من البرامج التي تحتفي بالمقيمين في الخارج، اعتبار السعودي ليس مهاجراً وإنما عاملاً في الخارج، سيعود لوطنه لنقل المعرفة والخبرة التي بناها في الخارج إلى أبناء ومؤسسات الوطن. وفي ظل جهود استقطاب/ البحث عن عودة الكفاءات، ما هي المتطلبات/ الظروف التي ينشدها للعودة؟
آخر الأسئلة، هل وجد الراحل السعودي ذاته في العيش خارج الوطن؟ لا أقصد هل وجد الوظيفة والمال ومدارس الأولاد، لكن الذات التي تحفزه على استمرار البقاء في الخارج. ما هي الشروط البيئية والسياسية والاجتماعية التي تحفزه وتقنعه بالعيش في الخارج؟ كيف يجد ذاته ضمن مجموعة أو بيئة جديدة وفق شروط العلاقة مع أي مجموعة؛ الأهمية، الالتزام، التفوق والإذعان؟
بكل تأكيد، لا أبحث محاكمة الناس في خياراتهم، بقدر ما كنت أود وجود حوارات/ حكايات ثرية ترصد ظاهرة الرحيل والغربة والهجرة والعودة، إلخ. ربما، نبعت أسئلتي من محاولة تفكيك الاسم «جسور» الرابطة بين المهاجر ووطنيه القديم والجديد، وليس الاسم يتوافق مع معناه، دائماً. مع التقدير، أنتظر النسخة القادمة من «جسور» راجياً أن يكون في أسئلتي ما هو مفيد لهم.