عبدالرحمن الحبيب
تقول فان دير فيلدن (رئيس تنفيذي لشركة إنتاج تلفزيوني بلندن) إن شركتها قدمت نسختين من سيناريو لأحد العملاء، واحدة تم تحريرها من قبل البشر، والأخرى عن طريق الذكاء الصناعي، وتؤكد أن العميل اختار «ما أنتجه الذكاء الصناعي». وتوضح أن ذلك لا يعني أن الذكاء الاصطناعي ربما يكون أفضل. السؤال: هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل البشر ويستحوذ على وظائفهم في الإنتاج التلفزيوني والسينمائي؟
قد يبدو ذلك في البداية فكرة خيالية، لكن عدداً من شركات الإنتاج التلفزيوني أعلنت بالفعل أنها تستخدم الذكاء الاصطناعي لمساعدتها على ابتكار برامج جديدة. وتشمل هذه الشركات مجموعة «آر تي إل» التي تنتج العديد من البرامج من «إكس فاكتور» و»ذي أبيرينتيس» و»غراند ديزاين»، وقالت المجموعة العام الماضي إنها «بدأت في دعم إنشاء المحتوى باستخدام الذكاء الاصطناعي» (ستيفاني باور، بي بي سي).
لكن دان وايتهيد (أحد خبراء قطاع التلفزيون) قال: «إن فكرة الآلة التي يمكنها تلبية الطلبات بلغة المحادثة العادية، تبدو سحرية جداً، لذلك من المفهوم أن الناس ينجذبون إليها»، موضحاً أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يمنح الناس ثقة زائفة، إذ يمنحهم إحساساً بأنهم - إذا تمكنوا من خلال الوصول إلى مليارات نقاط البيانات - توصلوا إلى الأفكار الأفضل.
حتى الآن، يبدو الذكاء الاصطناعي يقوم بدور مساعد ولكن ليس بدور أساسي، فيما تعتقد السيدة فيلدن أن ذلك يمكن أن يحصل قريباً. فهل يصبح كُتّاب السيناريو ومؤلفو الروايات مثل المترجمين الذين يرزحون تحت ضغط هائل مادياً ومعنوياً، نتيجة منافسة الترجمة الآلية الإلكترونية.
الذكاء الاصطناعي الحالي يثير الكثير من الآمال والتطلعات، لكن تحيط به أيضاً مخاوف كبيرة.. هذه التكنولوجيا التي تثير آمالاً كبيرة في الطب أو التعليم، قد تشكل أيضاً مخاطر التزييف والتضليل، لا سيما أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، القادر على إنتاج نصوص وأصوات وصور تشبه العمل البشري بناءً على طلب بسيط في غضون ثوانٍ، يشكل تقدّماً مبهراً ومرعباً في نفس الوقت، ويُتوقع أن تظهر أجيال جديدة من هذه النماذج بالأشهر المقبلة.
روبوتات الذكاء الاصطناعي التي تنتج نصوصاً موضوعية أو تبدع أعمالاً فنية قد تُشعر الأدباء والشعراء والفنانين بالقلق البالغ بشأن الجوانب الدلالية للتواصل الذين يرون أن البشر مبهورون بهذه الآلات «الذكية» ويخدعون أنفسهم من خلال الاعتماد المفرط عليها ويقوضون الممارسات التي يعتمد عليها فهمهم مما يضعف مستوى الذكاء والإدراك عند البشر. ولكن الكثير من مهندسي الذكاء الاصطناعي لا يأخذون ذلك في الاعتبار.
قدرة الذكاء الاصطناعي بالرد على أي سؤال بلغة تبدو وكأنها إنسان، يعطي انطباعاً بأن هذه الأجهزة لديها نوع من النية وحتى الإحساس، لكن هذا سراب، لأنها قد تخطئ في الحسبة الرقمية وتنتج نصَّاً عنصريَّاً ومتحيزاً ومضللاً، فلا يوجد لهذه الأجهزة أي عاطفة أو حنين أو مخططات أو تفكير، كما لا يوجد لها أي إحساس بما هو صحيح أو خطأ (صحيفة الجاردين).
فلماذا كل هذه الضجة؟ باختصار: المال، حسب الصحيفة التي ترى أن المبالغة في احتفال الناس بروبوتات الدردشة وثقتهم بمعلوماتها لا يعني أن هذه المعلومات صحيحة. يتمتع البشر بسجل طويل من التفكير بالتمني والتقليل من مخاطر الاختراقات التكنولوجية الجديدة؛ وهي الآن مدفوعة بالمصالح التجارية لعمالقة الويب، مما يشجع البشرية على التخلي عن مسؤولياتهم للآلات الذكية بما يتجاوز نطاق اختصاص هذه الأجهزة... لا يكمن الخطر في معاملة الآلات مثل البشر، بل يكمن الخطر في معاملة البشر مثل الآلات حسب تعبير الصحيفة.
لكن قد يرى البعض أنه لا داعٍ للمبالغة في خطورة ذلك إذا تم حصر استخدام روبوتات المحادثة بالمتعة الأدبية والألعاب الترفيهية، مع عدم استخدامها للمحادثة العلمية أو المعلومات الموضوعية الجادة بعد أن تبين أن مثل هذه البرامج يمكن أن تنفث بالهراء «العلمي» والمعلومات الخاطئة.
فما الخطورة عندما تتمكن الآلات من إنتاج نص عالي الجودة بواسطة هذه البرامج المعقدة جدَّاً، ويصعب تمييزها عن تلك التي يكتبها الإنسان، فهذه البرامج تعمل من خلال التنبؤ بالكلمة التالية في الجملة التي تكتبها في استعلامك، مستندة على نموذج لغة هائل الضخامة يحلل ملايين النصوص من الإنترنت، لتنتج محتوى أصليَّاً تماماً، كما يمكنها أن تكتب لك الشعر والمقالات بأسلوب مؤلفك المفضل إذا كنت ترغب في ذلك، وكذلك تأليف موسيقى من دمج مقطوعات ...إلخ.
إذا كان الذكاء الاصطناعي يمكنه تأليف الأعمال الأدبية من قصة وشعر أو الأعمال الفكرية من فلسفة، فإن المؤلفين بإمكانهم أن يلجؤوا لهذه التقنية لمساعدتهم في إكمال أعمالهم إذا استعصت عليهم، باستخدام التكنولوجيا لتبسيط عملية الكتابة وجعلها سلسة عندما تكون في منتصف مرحلة تأليف كتاب أو عند مرحلة مفصلية معقدة لم تستطع إدارتها ومعالجتها.. يعتقد مايكل غرين (منتج وكاتب أمريكي) أن التكنولوجيا ستحتل مكانة أبرز، عندما يلمع جيل الكتاب الجدد الذين لديهم توجه تكنولوجي؛ ويقول: «ما أجده في جيل الألفية الجديد وحتى الكتاب الأصغر سنَّاً هو أنهم ينظرون للتكنولوجيا لترشدهم.. إنهم يرونها كأداة للتعلم والنمو، بدلاً من كونها عملاً فائضاً».