خالد بن عبدالرحمن الذييب
تحدث لي أحد الزملاء يوماً عن كتاب «النبي» لجبران خليل جبران، وقد انتقده كثيراً، بينما الكتاب بالنسبة لي كان من أفضل الكتب أسلوباً وهو نموذج لعملية الفصل بين جمال الأسلوب وضعف الفكرة، نفس هذا الرجل كان يتكلم عن صعوبة كتاب «فصل المقال لابن رشد» ومع أني قرأت هذا الكتاب إلا أني لم أجد فيه تلك الصعوبة التي يتحدث عنها إلا إذا كانت القضية في أحد أمرين إما أن الكتاب عميق جداً، واعتقدت أني فهمته، ولم يبح لي بكنوزه، أو أن الحالة الذهنية مع صاحبنا لم تكن جيدة في وقتها.
بعض الكتب نحكم عليها حكماً لا يستحقه إما بإعجاب مبالغ فيه أو بقدح هو بريء منه، وتُظلم في الحكم عليها ليس لضعف الأسلوب أو الفكرة ولكن الحالة الذهنية للقارئ التي تؤثر على أحكامنا، فعندما يكون ذهنك صافيا للقراءة، تستطيع أن تحكم على الكتاب أنه جيد أما عندما تكون الحالة الذهنية مشتتة، تركز في كل شيء دون أن تفهم شيئا، عقل يذهب ويعود، فأحسن الكتب لا تستطيع أن تحكم على جودتها، وأنت تعيش هذه الحالة. فحالتك الذهنية تتعارك مع الكتاب وتتصارع معه، فهي قد تثير فيك الفِكَر وتعصف بك، وبعضها تثير عواطفك وتأخذك إلى صور جميلة وآفاق بعيدة وبعضها تضحكك وتزرع فيك الابتسامة، فإن كانت حالتك الذهنية باردة فبرودة حالتك ستنعكس على الكتاب.
بسبب الحالة الذهنية تقوم برمي الكتاب جانباً مع أن الغالبية اتفقوا على روعته وإبداعه وعمقه، فتتركه معتقداً أن الناس بالغوا فيه مع أن الحقيقة هي أن حالتك لم تكن على ما يرام، فيُغلق عليك النص مع سهولته، ويصعب عليك فهمه، بسبب الحالة الذهنية التي قرأت فيها الكتاب. فالحالة الذهنية للقارئ أهم عنصر للحصول على المتعة المرجوة أو الفائدة المتوقعة من الكتاب، لذلك لا تحكم على أي كتاب أو نص بشكل سريع لربما كانت المشكلة في حالتك حينها.
وهذا لا يبرئ ساحة الكتّاب بالمطلق، فبعض الكتّاب يستطيع أن يخرجك من حالتك الذهنية السيئة وبعضهم يعيدك إليها وبعضهم كأنك أنت وهو اثنان متجاوران في كراسي الطائرة قريبان من بعضكما لا تلتفتان لبعضكما، حالة من التقارب البعيد جداً، وبعضهم من روعة أساليبهم يستطيع أن يخرجك من أسوأ حالتك الذهنية إلى أعلى مستوياتها كأنه صديق عزيز تحدثه عبر الواتز أب وهو في شمال كندا في حالة من التباعد القريب جداً. أحياناً يكون سبب الحالة الذهنية هو الكاتب نفسه، بإطالة عدد صفحات الكتاب في موضوع معين أو فكرة معينة دون الوصول إلى نتيجة واضحة.
أخيراً...
حالتك الذهنية ترمومتر ظالم للكتب، لا تعتمد عليه في حكمك على كتاب ما...
ما بعد أخيراً ...
حتى هذا المقال لا تظلمه إن كان لديك هَم ما ...
عد إليه ثانية في حالة أصفى ذهنياً ستجده أفضل مما سبق!