مها محمد الشريف
قال جوزيف ناي إن «القوة الناعمة سلاح مؤثر يحقق الأهداف عن طريق الجاذبية بدلاً من الإرغام أو دفع الأموال».
وكثير من الدول تمارس سياسات القوة الناعمة كعنصر يتكامل مع مجموع الأنشطة وتهتم بمختلف البرامج التي تنفذ خارج الحدود في تواصل مباشر مع النخب والجماهير الأجنبية أو فئات مستهدفة منها، وسلط الضوء «ناي» على الجوانب الروحية والمعنوية والأفكار والمبادئ والأخلاق والبنية التحتية الحضرية الثقافية والفنية الراسخة كقوة جذب عالية الشأن والقيمة.
في الواقع هناك الكثير الذي يجب قوله عن المملكة العربية السعودية حول تحويل الموارد إلى قوة متحققة وخطط استراتيجية متقنة التصميم بقيادة بارعة للحصول على النتائج التي يُخطط لها في السياسة العالمية، وأهمها التجارة وانتاج السلع وتصديرها فهي تعتبر من القوى الناعمة اضافة للتفاعل الانساني وتقديم المساعدات في الكوارث الي تحدث في العالم، وتمويل المشاريع التنموية في الدول الفقيرة.
لقد مول الصندوق السعودي للتنمية مشاريع في أكثر من 80 دولة مثل المدارس وحفر الابار ودعم مشاريع صغيرة والمستشفيات والطرق، وكثير لا يعد ولا يحصى على مر التاريخ من مساعدات إنسانية، ومن ذلك العمل الدؤوب رؤية السعودية 2030 التي تعتبر محرك قوي لكل التقدم المذهل الذي تعيشه المملكة، وصدر ذلك في التقارير العالمية، حيث كشف تقرير عالمي جديد عن القوة الناعمة أن السعودية تقدّمت 5 مراتب عالميًا مقارنة بتصنيف عام 2022م، كما دخلت لأول مرة ضمن قائمة الـ20 دولة الأعلى في العالم.
وما يتم بذله من جهود سياسية سعودية وتوازنات في العلاقات الخارجية أعطى قوة عالية في التقدم، لذا فإن موارد القوة الناعمة هي الموجودات التي تنتج الجاذبية، وتأثيرها على طيف السلوك بأكمله بالتمسك بالتراث والعناية به والثقافة التي تشكل حياة المجتمع المعنوية وقيمه السياسية وسياساته الخارجية، والأعمال التي تخدم الصالح العام بإقامة مشاريع مستدامة، وهذا معيار مؤثر.
هناك إذن تلاحم وثيق بين العمل والإنجاز، وهذا التلاحم من وجهة نظر التطور التاريخي يعطي شتى الأشكال والصور، فالحج والعمرة أيضاً قوة ناعمة لأكبر تجمع في العالم تديره المملكة في مكان محدد، وبموجب هذه الإنجازات الضخمة يزداد احتمال كون الجاذبية مؤدية إلى النتائج المطلوبة، فقد عززت قوتها بمجالات مختلفة كنتيجة إيجابية لجهود ناجحة تؤثر في مشاعر الناس والدول على نطاق واسع.
وخلال خمسة أعوام وتحديدا منذ 11 أكتوبر 2019، كان تاريخ انطلاق موسم الرياض، الذي جسد هذا الكرنفال الترفيهي الأضخم في منطقة الشرق الأوسط حالة خاصة، وتفعيل مثمر للقوى الناعمة السعودية والعربية، وهذا النجاح لم يرتبط فقط بتوقيت موسم الرياض، بل يستمر طوال العام من خلال نتائجه على المدى الطويل، أولاً بزيادة أعداد السائحين طوال العام بنسبة 30 في المائة عام 2019 مقارنة بالعام الذي سبقه، فهذه الأمثلة التي نستطيع أن نعطي منها الكثير تشير إلى معنى أوليات جوهر السياسة، وهكذا تحسب القوة الناعمة في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية و الاقتصادية ليجد الآلاف من الناس وظائف وأعمالا، وهذا ما يجعل موسم الرياض بجانب رسالته الترفيهية، قدرة انتاجية اقتصادية ناجحة، من خلال توفير فرص عمل، أو بتشجيع الصناعات المحلية وتعظيم الاستفادة منها، بل وإظهار معالمها الكرنفالية الضخمة مما يؤهلها للقيام بذلك عالمياً.
فكل شيء يشير إلى أن الأمريكيين ليسوا الوحيدين الذين يملكون قوة ناعمة وتدفقات إعلامية وتواصلية وثقافية لإحداث تغييرات معينة أو بناء أفكار وقناعات معينة تسهل فهم سياسات هذه الدولة وقراراتها، لذا يرى «ناي» أنه لا يمكن اختصار القوة الناعمة في الثقافة فقط، فهو يعتبر المهاجرين لأمريكا من أهم القوى الناعمة الأمريكية، ومنهم العلم والعلماء وأكبر عدد من الحاصلين على جوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء والاقتصاد، أضف لها الأفلام والبرامج التلفزيونية فضلاً عن البرمجيات والتقنيات، وركز أيضاً على الدبلوماسية الثقافية تجاه العالم العربي، والتي تمثل الوجه الأبرز لسياسات القوة الناعمة الساعية الى تعزيز فهم الثقافة الأمريكية في الخارج، وتشمل كل المجهودات التي تهدف الى الربط بين الناس عبر البلدان من أجل القيم الأساسية الأمريكية.
عززها التوسع السريع للغة الانجليزية كلغة عالمية مشتركة، وانتشار الإنجليزية في العالم يعتبر نجاح للقوة الناعمة الأمريكية وتبادل الأفكار والمعلومات والفنون وممارسة عملية تواصل ناجحة ربطت بين البلدان لفهم حياة وثقافة الشعب الأمريكي. وتوظيف العنصر الثقافي لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية في العالم ككل من خلال غزو العقول والسيطرة عليها واتخاذها منطلقا لممارسة النفوذ في العالم لصالح الاستراتيجية الأمريكية على المستويات كافة.
من هنا تكون الإجابة على السؤال: هل القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية؟ نعم .. بكل لغات العالم.