د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
هذا مَثَل سمعناه من آبائنا وأجدادنا بهذه الصيغة المعبرة عن حقيقته، فكون التمر مساميرُ للركب مجازٌ أريد به التعبير عن الطاقة التي تنال الجسم من تناوله؛ ولذا كان إفطار الصائم على التمر، ولم يكن الناس يسعفون من أهلكه العطش بشرب الماء صافيًا لخطره عليه بل ممزوجًا بتمر مذاب، لم يكن التمر عند القدماء فاكهة تصاحب سمرهم بل كان قوتًا يعيشون به؛ لأنهم يتعبون في أعمالهم منذ الفجر حتى المساء، ومتى جاع الإنسان ضعفت قواه، وصدق المثل في التعبير عن هذا، كما صدق المثل الآخر (أَحْسَبْ كَرْكَبْ يَنْقِلْ خَرْخَبْ وَاثِرٌ خَرْخَبْ يَنْقِلْ كَرْكَبْ)، هكذا أورده عبدالكريم الجهيمان، والمثل كما أحفظه (أحَسِبْ طَرْطَبْ يَنْقِل خَرْخَبْ إثِرْ خَرْخَبْ يَنْقِل طَرْطَبْ). قال الجهيمان «أحسب أظن وأعتقد وكركب هي القدم وخرخب هو البطن والمعنى أنني كنت أظن أن رجلي تنقل بطني .. وإذا الواقع خلاف ذلك وهو أن بطني هو الذي ينقل رجلي .. وهذا المثل أطلقه أحد الأعاجم الذين يتكلمون بالعربية ويخلطونها بكثير من الألفاظ الأعجمية»(1).
ولا أعلم لم أراد د.محمد حطحوط تغيير هذا المثل بما ظن أنه الصواب حين قال في تغريدة نشرت في 10أغسطس 2016م. «(التمر مسامير الركب) نقلت إلينا خطأ. قال الهمذاني: التمر يسميه المسافرون ( مُسامرُ الرَّكْب) و(أنيس المسافرين)»(دلائل النبوة)(2)، وقد ردّ فأحسن نوّاف العصيمي بقوله (غير صحيح) ونشر مع رده صورة لغلاف كتاب الهمذاني والصفحة التي ورد فيها قوله الصحيح (التمر مسامير الركب)(3).
وكتب أستاذنا أ.د. عبدالعزيز بن ناصر المانع مقالًا بعنوان (حول المثل: التمرُ مُسامِرُ الرَّكْب)(4) وهذا مشكل؛ فليس لدينا مثل بهذه الصيغة، وإيراده بهذه الصيغة جزم منه ابتداءًا بصحتها، وليس الأمر كذلك؛ فالصيغة الصحيحة ما ذكر هو نفسه أنه سمعها قبل أن يتحول موافقة منه لمن ذهبوا إلى ذلك، قال أستاذنا «ولذلك فقد ذهبتُ أبحث عن هذا المثل في منطقة الأحساء فإذا بي أجده في أمثالهم مدوّنًا في كتاب (الأمثال الشعبية في منطقة الأحساء)(5) الذي ألّفه الدكتور فهد المغلوث بالنصِّ نفسه: «التمرُ مساميرُ الرُّكَب». فهل هم أول من صنع هذا المثل أم أول من حرَّفه بهذه الطريقة الشائعة عند الناس؟»
وقال «أكاد أجزم بالخيار الثاني»، والمثل معروف في أنحاء الجزيرة ذكره الجهيمان(6) والعبودي(7) قبل أن يذكره المغلوث، وليس الأحساء منتج التمر الوحيد فالتمر في بيئات مختلفة من الجزيرة.
وهكذا غلب على ظن أستاذنا أن الأصل في المثل ما أثبته في العنوان، وقال بعد ذلك «وقد اتفق معي آخرون، ولذلك فقد قرأته معهم: (التمرُ مُسامِرُ الرَّكْب)، بل كنتُ من مؤيدي هذه القراءة الجديدة ومن المتحمسين لصحتها إلى أن جاء بعض الباحثين الأكارم فاحتج علينا بورود هذا المثل بصيغته القديمة في كتاب (تثبيت دلائل النبوة)(8) لمؤلفه قاضي القضاة عبدالجبار بن أحمد الهمذاني - المتوفَّى سنة 415هـ- وقد أعدت قراءة هذا النص فإذا هو يقول: «وفي التمر - مع اللذة بأكله- إخراجُ التعب وراحةٌ للمكدود، والملَّاحون يسمونه لأجل ذلك مَسامير الرُّكَب»(9). وعلّق أستاذنا بقوله «قلتُ: هذا ليس بحجة رغم كون المؤلف من علماء القرن الرابع الهجري؛ لأن الهدف من أكل التمر ليكون مسامير للركب، يساعدها على المشي، قد انتفى في هذا الخبر! إذ إن المقولة فيه منسوبة للملاحين، والملاحون لا يحتاجون إلى مسامير لركبهم، فهم جلوس طوال رحلاتهم في مراكبهم؛ فرُكَبُهُمْ بخير»، وأقول إن أستاذنا لم ينتبه إلى المجاز في الاستعمال، وأن المثل يُتداول من بيئة إلى أخرى، وللجمّالة وللفلاحين وللملاحين ركَب ينالها التعب والوهن من الجوع ونقص السكر، وقوله عن الملاحين إنهم جلوس وركبهم بخير غير صحيح؛ والمثل عام في دلالته، فالتمر ليس للركب وحدها بل للجسم كله، وكما قال هو «مُخرج التعب، ومُريح المكدود».
وقال أستاذنا «وأما رواية المثل عند قاضي القضاة الهمذاني فلا شك عندي أنها من تصحيفات المحقق المعاصر الذي ربما استحلى سماعه من أحد العامة، فقرأ به النص رغم عدم اتساقه مع السياق!»، وقوله هذا متوقف فيه؛ فلا سبيل إلى نسبة التصحيف إلى المحقق أستاذنا عبدالكريم عثمان إلا ببينة كالاطلاع على المخطوط، وأستاذنا المانع من أعلم الناس بالمخطوطات ولكنه لم يعد إلى المخطوط ليثبت لنا التصحيف.
** ** ** **
(1) الأمثال الشعبية في قلب جزيرة العرب لعبدالكريم الجهيمان، (المثل125)، 1/ 68.
(2) https://twitter.com/mHatHut/status/763411441588244481
(3) https://twitter.com/NawafOsaimi/status/763850 127236792320
(4) نشر في السبت 8 ذوالحجة 1437ه/ 10-09-2016م.ع 16053
https://www.al-jazirah.com/2016/20160910/cm2.htm
(5) ظهرت طبعته الثانية في: 1419/1999.
(6) الأمثال الشعبية في قلب جزيرة العرب لعبدالكريم الجهيمان، (المثل 1591)، 2/ 136.
(7) الأمثال العامية في نجد لمحمد بن ناصر العبدي، (المثل 489)، ص 322.
(8) تثبيت دلائل النبوة للقاضى عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني الأسد أبادي، أبو الحسين المعتزلي (المتوفى: 415هـ) تحقيق عبدالكريم عثمان، دار المصطفى - شبرا- القاهرة. وللكتاب نشرة أخرى بعناية سليم محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، 1971م.
(9) تثبيت دلائل النبوة للهمذاني بتحقيق عبدالكريم عثمان، 2/ 637. وبعناية سليم محمد ص 487.