سهام القحطاني
«ذلك قول الحق الذي فيه يمترون» -مريم 34-
(صنفت كتابي هذا في المسجد الحرام وما أدخلت فيه حديثاً حتى استخرت الله تعالى وصليت ركعتين وتيقنت صحته) -الإمام البخاري-
ليست «جماعة تكوين» التي ظهرت مؤخراً من مجموعة من ينتسبون إلى الأدب هي الحركة الأولى التي تتزعم التشكيك في السنة النبوية، فقبلها ظهرت جماعة ما سُميت «بالقرآنيين» وهي جماعة كانت دعوتهم قائمة على أن القرآن الكريم هو المصدر الأول للإسلام فقط، وهذا كلام غير صحيح وفق الآية القرآنية الكريمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء.
وطاعة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- من خلال سنته النبوية ومن خلال قوله وفعله، والأمر بالطاعة هنا هي حصانة للسنة النبوية من كل تحريف؛ لأنها المصدر الثاني للإسلام، ولو كان الأمر في السنة النبوية وجوب وجود شرط ما تكرر لفظ طاعة كما هو الوضع في طاعة ولي الأمر الذي تم بالعطف وليس بتأكيد كلمة الطاعة، وبتكرار لفظ طاعة، فالوجوب قائم دون شرط وهو وجوب يلزم الحفظ والحصانة.
ويشكك جماعة القرآنيين في السنة النبوية باعتبار أن الأحاديث النبوية قد كُتبت بعد وفاة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وقد دخل عليها الزيادة من الأفكار مما جعلها تمتلئ بفجوات التشكيك.
والغاية الوهم الذي يرفع رايتها كل مشكك للسنة النبوية التنوير وتطهيرالفكر والخطاب الديني من التطرف، في حين أن ما يفعلونه من تلاعب بثوابت المسلمين العقدية هو التطرف ذاته،فالتطرف ليس صفة خاصة بالتزمت الديني، بل هو صفة عامة لكل انجذاب نحو الأقصى من الطرفين.
وهو الإرهاب الفكري ذاته، فليس من حق كل علماني متطرف أو فاشل في الأدب أو صياد للشهرة أوساعِ للدخول إلى المنظمات المشبوهة يقف أمام الجميع مجاهرا بقدرته على معرفة الشك من اليقين ومصححا للأمة ثوابتها سواء بالإنكار أوالتأكيد.
بدأ جمع الأحاديث النبوية منتصف القرن الثاني للهجري، وكان لهذا الجمع أسباب منها استشهاد الكثير من الصحابة في الفتوحات الإسلامية، دخول الشعوب غير العربية إلى الإسلام الذي تتقن القراءة والكتابة، وقد لا تملك القدرة على الحفظ أو موهبة الرواية، انتشار العلم، وحماية الأحاديث النبوية من الإضافات أو تعدد الروايات.
ومع بدء جمع الأحاديث أبدع المسلمون في أعظم علومهم النظرية وهو «علم الحديث».
وخضع جمع الحديث ثم تدوينه إلى مراحل كثيرة من المراجعة والتدقيق وهي ما سُميت بعلم الجرح والتعديل لرفع أي شبهة تشكيك في الأحاديث النبوية من خلال الراوي.
وبذلك سبق القدماء الأخيار، وأتموا دائرة الكمال على ما يقوله اليوم أدعياء التنوير من أصحاب الكيف والكؤوس.
فما الهدف الحقيقي من وراء السعي المستمر لتشويه السنّة النبوية؟
1 - إن ما يحدث اليوم وقبل ذلك من ظهور حركات التشكيك في السنة النبوية قد حدث قبل ذلك مع بعض الأنبياء مثل عيسى وموسى عليهما السلام،فلكل دين نصيب من الدجالين وشياطين الإنس: {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} (118) سورة البقرة.
2 - إن التشكيك تحت أي مبرر هو أول درجة من درجات الإنكار،وهذا ما رأيناه قبل ذلك عند جماعة القرآنيين الذين أنكروا السنة بحجة التشكيك في صحتها.
3 - إن الدعوة إلى إعادة تقييم السنة النبوية ودرجات صحتها ومستويات صدقيتها يعني فتح الباب لإضافات تتعارض مع ثوابت العقيدة الإسلامية، ليقع المسلمون فيما وقعت فيه أمم الأديان الأخرى من تحريف وانحراف قد يمتدّ إلى النص القرآني.
أنا مع مراجعة الخطاب الديني وتنقيته من التطرف والرجعية؛ لأن في ثوابت ديننا -القرآن الكريم والسنة النبوية -سعة حضارية تتواكب مع كل زمان ومكان.
لكن ما لا يعرفه كهنة العرب الجدد أن السنة النبوية محصنة من افتراءات شياطين الإنس، وكلما ظهرت حركة دحرها الله بقدرته ومشيئته ليتحقق قوله تعالى دائما وأبدا {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (64) سورة المائدة.
والحرب هاهنا ليس المقصود بها تعريفا محدداً أو إطاراً زمانياً ومكانياً مؤقتين، إنما المقصود بها كل ما يمثل العداء لأمة من الأمم ويهدد وجودها وأمنها واستقرارها.
ومالا يعرفه كهنة العرب الجدد أن من تعهد الله بحفظه فلا سبيل إلى نقصه ونقضه ولو اجتمعت شياطين الإنس والجن معا.
{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (30) سورة الأنفال.