خالد محمد الدوس
ولد العالم غابرييل تارد الذي يعد من بين العلماء والمفكرين الذين تركوا بصمة واضحة على دراسة تطور المجتمع, في فرنسا عام 1843 في حضن عائلة ثرية وكان والده ضابط جيش، تعلم في المدرسة المملوكة من قبل الروم الكاثوليك وسام اليسوعيون وبعد تخرّجه من التعليم العام التحق بالتعليم الجامعي ونال درجة البكالوريوس في الآداب عام 1860 ثم أكمل تعليمه العالي في دراسة القانون في جامعة باريس ونال الدرجة عام 1867 ثم بدأ عمله مساعد قاضٍ وبعد عامين أصبح قاضياً، وفي عام 1880 نشر عمله بانتظام في الفلسفة وكرس اهتمامه في دراسة علم الإجرام وأبرز دراساته المتنوعة: الجريمة المقارنة 1886، وفلسفة العقوبة 1890، والمنطق الاجتماعي 1894, ودراسات في علم النفس الاجتماعي 1898, والقوانين الاجتماعية 1897, والرأي والناس 1901, وقد خلفت له هذه المؤلفات والأعمال سمعة لمؤلفها كباحث جاد ومعروف في علم الإجرام, مما جعل بعض العلماء المعاصرين يشيرون إليه بأبي علم النفس الاجتماعي الحديث، وقد عالج العالم الشهير تارد سببية الجريمة بنظرية نفسية اجتماعية أسماها نظرية التقليد,كما ازداد عند العالم تارد الاهتمام بدراسة علم الاجتماع وطور نظريته الاجتماعية الأصلية, وبعد وفاة والدته عام 1894 تمكن من تكريس نفسه بالكامل للعلم وغادر مقاطعة سارلات وتوده إلى باريس ليشغل منصب مدير قسم إحصاءات الجريمة بوزارة العدل الفرنسية.
وفي علم الاجتماع مثل معاصرة إميل دوركهايم بنى تارد نظرياته على البيانات الإحصائية وكان مهتما بطبيعة الأعراف الاجتماعية وركز بشكل كبير على المقارنة كأسلوب للبحث العلمي، حيث ركز تارد على دراسة التفاعل البشري ثم دعا إلى إنشاء علم النفس الاجتماعي كعلم يجب أن يصبح أساس علم الاجتماع. كان العالم تارد هو أول من اقترح نظريات العلم الاجتماعي واقترح أن التعلم الاجتماعي يتشكل على مدار أربع مراحل وهي الاحتكاك الشديد والتقليد واستيعاب المبادئ وسلوك المثل الأسمى, ولعل أشهر نظرياته ضمن إسهاماته في علم الاجتماع نظرية التقليد والمحاكاة ويرى تارد أن عملية التقليد تعني أن الوسط الاجتماعي يؤثر في الفرد لأن كل فرد منا يميل إلى تقليد الآخرين ومحاكاتهم في تصرفاتهم, فالجريمة كأية حقيقة اجتماعية أخرى نشاط اجتماعي ينتقل من فئة قليلة إلى فئات كثيرة, وقد ركز في دراسته على أثر العوامل الاجتماعية على عناصر السلوك بشكل عام وعلى السلوك الانحرافي بشكل خاص، حيث كان يرى أن الجريمة ظاهرة اجتماعية تتكون تحت تأثير البيئة الاجتماعية، وتشكل جزءاً من النشاط الاجتماعي، وقد استخدم نظرية التقليد إلى جانب تفسير السلوك الإجرامي في بناء نظريته في: 1- النموذج المحترف وفي هذا النموذج يرى أن المجرمين عموماً نماذج محترفة ومرتكبو النشل والبغاة والقتلة واللصوص أصبحوا محترفين نتيجة تمرسهم في هذه الأعمال خلال فترة طويلة, وأن مثل هؤلاء المجرمين لم يولدوا مجرمين, ولكن ظروفهم الاجتماعية هي التي دفعتهم إلى ذلك نظراً لأنهم يعيشون في بيئة مليئة بالفساد والانحراف السلوكي.
2- تصنيف المجرمين صنف العالم تارد المجرمين في صنفين: مجرمين حضريين ومجرمين ريفيين.
3- المسؤولية الأخلاقية حيث يرى تارد أنه لكي يكون الإنسان مسئولا عن فعله فلابد أن يكون سليم العقل, وفي عمر يسمح له بالإدراك وليس منوما تنويماً مغناطسياً عند ارتكابه للجريمة وهذا ما يسميه «الهوية الفردية».
4- النظام العقابي يرى تارد أنه لا بد من وضع أطباء وعلماء نفس في المحكمة للعمل إلى جانب المحلفين وذلك لتحديد مسؤولية المتهم, كما يرى أنه لا يصح تحديد عقوبة لكل جريمة, ولكن تحدد عقوبة لكل مجرم لأن المسؤولية تختلف من شخص لآخر. توفي العالم غبراييل تارد عام 1904 في باريس بعد أن حقق الكثير من الأعمال ليتبوء مكانة عظيمة كعالم اجتماعي نفسي بارز في أوروبا وترجمت كتبه إلى عدة لغات أكسبته شعبية بين الأوسط العلمية الاجتماعية في العالم.