خالد بن حمد المالك
ثلاث دول أوروبية تعترف بالدولة الفلسطينية، دون أن تُؤثر على قراراتها الضغوط الأمريكية قبل وبعد الإعلان عن اعترافها، أو تستسلم لما اعتادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تمارسه مع كل دولة يصل بها التفكير إلى خارج السياسة الأمريكية في التعامل مع القضية الفلسطينية، ما جعل حقوق الفلسطينيين تحت رحمة أمريكا الغائبة أو المغيبة عن العدل، والنظر إليها بعيداً عن ميزان المسافة الواحدة بين إسرائيل وفلسطين.
* *
في المقابل كانت الدبلوماسية السعودية الهادئة والموضوعية تأخذ الخط الآخر في تفاهماتها مع الدول معتمدة على أبعاد القضية، وتأثير قيام الدولة الفلسطينية على الأمن والاستقرار في المنطقة، فضلاً عن أن حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة جريمة لا ينبغي استمرارها، أو حتى عدم الاهتمام بها، وكأن المملكة في مواجهة من أجل فلسطين مع أكبر قوة في العالم.
* *
الوزن السياسي والاقتصادي، وعلاقاتها الدولية المتميزة، جعل المملكة في هذا الموقع المتقدم في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، واختراقها لكل التحديات والمعوقات، وصولاً إلى اعتراف ثلاث دول أوروبية بدولة فلسطينية كحدث تاريخي غير مسبوق منذ قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948م وإلى اليوم، والفضل في ذلك إلى العمل الدبلوماسي الكبير الذي ظلت المملكة تقوم به بصمت وهدوء ودون يأسٍ حتى تحقق ما تحقق باعتراف كل من إسبانيا والنرويج وإيرلندا بالدولة الفلسطينية.
* *
ومن المؤكد الذي لا يحتاج إلى تأكيد أن المملكة سوف تواصل تفاهماتها لاعتراف دول أخرى بالدولة الفلسطينية، حتى وإن استقبل الرئيس الأمريكي اعتراف الدول الثلاث بالاعتراض، وأن البديل يجب أن يكون من خلال التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو يعلم يقيناً أن إسرائيل لا تقبل بدولة فلسطينية، وأنها ليست على استعداد للجلوس مع الفلسطينيين لاتخاذ خطوات ملموسة لإقامة دولة فلسطينية، أخذاً بخيار الدولتين.
* *
وإذا كان هذا هو الموقف السعودي، الداعم لقيام دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967م، وهو موقف تمثّل بالجهود الدبلوماسية المكثفة التي قادتها المملكة خلال الفترة الماضية وجاء من خلاله ثمرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بما جعل الرياض ترحب بالقرار بوصفه قراراً إيجابياً صدر من دول صديقة، واصفة إياه بأنه تأكيد للإجماع الدولي على الحق الأصيل للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
* *
والمملكة لم تكتف بهذا الترحيب، ولا باعتراف الدول الثلاث، وإنما دعت بقية الدول للمسارعة في اتخاذ نفس القرار، مع تأكيدها على إيجاد مسار موثوق به، ولا رجعة فيه، بما يحقق سلاماً عادلاً ودائماً، ويلبي حقوق الفلسطينيين، خاصة مع انضمام بقية الدول وخاصة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن إلى الدول الثلاث في الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
* *
الموقف السعودي من القضية الفلسطينية إذاً موقف تاريخي ثابت، وبه ومن خلاله أمكن للفلسطينيين أن يتمسكوا بحقوقهم المشروعة معتمدين على الله ثم على أنفسهم، وعلى الدعم السعودي مادياً وسياسياً في كل مناسبة ومحفل، والموقف الجديد يأتي امتداداً لدعم المملكة منذ عهد الملك عبدالعزيز بشرياً وعسكرياً، وتواصل هذا الدعم مع جميع ملوك المملكة، وها هو اليوم في عهد الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان يتواصل الجهد السعودي في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، بما يجد التقدير العالي من إخواننا الفلسطينيين، ومن العرب جميعاً.
* *
وما يؤكد دور المملكة في اعتراف الدول الثلاث بالدولة الفلسطينية ما صدر من بيان رسمي عن الخارجية النرويجية التي أكدت في بيان لها بأن ما تحقق إنما جاء بجهود مكثفة قادتها المملكة العربية السعودية، وأعضاء اللجنة العربية الإسلامية المكلفة من قمة الرياض، وهو ما يعني أن المملكة ركزت على الهدف الأساس، أي قيام دولة للفلسطينيين معترف بها دولياً، دون أن تعطي اهتماماً لمن ظل يزايد على القضية الفلسطينية، ويتاجر بها، بل ونستطيع القول بأنه يتآمر عليها، وإن حاول أن يتخفى ويتظاهر بغير ذلك.