«الجزيرة» - الرياض:
انطلقت مساء الأربعاء الماضي فعاليات «صالون عبدالله بن إدريس» في هيئته الجديدة، وذلك ضمن مبادرات مركز عبدالله بن إدريس الثقافي. وقد حملت باكورة فعاليات الصالون جلسة حوارية بعنوان «القيم الوطنية في شعر الأمير بدر بن عبدالمحسن»، يرحمه الله، شارك فيها نخبة من كبار المثقفين السعوديين، هم: الدكتور سعد البازعي، والدكتور معجب العدواني، والدكتور حاتم الزهراني.
مقدمة تاريخية
افتتح الدكتور زياد بن عبدالله ادريس، أمين عام المركز، الأمسية بمقدمة تاريخية موجزة عن الصالون الذي أسسه والده الراحل الأديب عبدالله بن إدريس، يرحمه الله، قبل نحو 60 عاماً، حيث تنقّل من مجلس بيته بالملز أولاً إلى بيته في شارع جرير ثم أخيراً بيته الراهن في حي الريان. وقد شهد الصالون خلال تلك المدة الطويلة العديد من الأمسيات الأدبية والجلسات الحوارية مع مثقفين سعوديين وعرب من مختلف الوجهات والتوجهات.
القيم الوطنية في شعر الأمير بدر بن عبدالمحسن
تناولت الجلسة الحوارية القيم الوطنية في شعر الأمير بدر بن عبدالمحسن، يرحمه الله، من خلال أوراق علمية قدمها كل من:
الدكتور سعد البازعي: الذي تحدث عن «القيم الوطنية في شعر الأمير بدر بن عبدالمحسن: دراسة في قصائد مثل «فوق هام السحب» و«رسالة من بدوي».
افتتح الدكتور سعد البازعي حديثه بالقول: «لا شك أن شعر الأمير الراحل بدر بن عبد المحسن - رحمه الله - قد ترك أثراً عميقاً في القصيدة الشعبية السعودية. ومع أن ذلك الأثر واضح في المقام الأول في شعر الأغنية فإن لبدر قصائد تتجاوز البعد الغنائي العاطفي أو الغزل إلى البعد الوطني الذي يعلي من القيم الوطنية على النحو الذي يعرفه كل من سمع أو قرأ قصائده الشهيرة».
واستطرد د. البازعي في حديثه بأنه يرى أن من المهم التفريق بين لونين من قصائد بدر - رحمه الله - التي تعلي من شأن القيم الوطنية، فثمة مسافة ما بين قصائد مثل «فوق هام السحب» وقصائد أخرى تتغنى بالوطن أيضاً لكن من زاوية مغايرة. في قصائد مثل «فوق هام السحب» نجد ما أسميه الصوت العام أو الخطاب الشعري العام الذي يمكن لأي مواطن أن يتغنى به ويجده معبراً عن شعوره تجاه الوطن، بما في تلك القصائد من حماسة ودعوة لحب الوطن والإعلاء من قيمته.
في مقابل تلك القصائد، يقول د. البازعي، تبرز قصائد أكثر حميمية وبصوت أكثر ذاتية، ومن نماذج تلك القصائد قصيدة بعنوان «رسالة من بدوي» يقول مطلعها:
يا بنت انا للشمس في جلدي حروق
وعلى سموم القيظ تزهر حياتي
في قصيدة كتلك، وهي من شعر بدر المبكر، تبرز الذات الخاصة أو الصوت الخاص بالشاعر، ومع أن القصيدة تتبنى خطاباً درامياً يتحدث فيه البدوي أو الشاعر كما لو كان بدوياً، فإن تلك الدرامية تحمل نفساً حميماً ومفعماً بحرارة لغوية صادقة، كما أنه جزء من شعرية النص، وكان مما ساد في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي لدى شعراء الحداثة في الفصحى مثل علي الدميني وعبد الله الصيخان ومحمد الثبيتي، ففي شعر أولئك وغيرهم كثير من التحدث بصوت البدوي ابن الأرض، وهو صوت يختلف إلى حد ما عما نجد في قصائد حماسية ويمكن أن تغنى كما لو كانت أهازيج حرب».
الدكتور معجب العدواني قدم ورقة جعل عنوانها: (الأبعاد الوطنية في موضوعات غير وطنية: قراءة في نموذجين من شعر بدر بن عبدالمحسن)
وقد أوجزها في النص التالي: «ليس من الغريب أن يغادر البدر، ويترك لنا نجمة خماسية الرؤوس، نجمة كانت تستضيء به، ويستهدي بها، كما نستضيء ونستهدي بها. غادر البدر وخلد دواوينه الخمسة المضيئة بكلماته. أحب البدر وطنه فكتب عشقاً فيه، في مكوناته، في قصائد مستقلة وجدت طريقها إلى قلوب الناس قبل حناجرهم، فصنعت عواطفهم وقولبت قصائده كاللآلئ الأخاذة مع تطور الوطن ونهضته.
ومن الجدير الإشارة إلى أن الحديث عن الوطنية في شعر البدر يأخذ بعضه برقاب بعض، قصيدة تلد أختها، وبيت يعانق نظيره، وما أكثر ملامح ذلك حين النظر إلى المنجز الوطني الكبير للشاعر، ولن تكون قصائد مثل (فوق هام السحب) التي كونت مخيالاً وطنياً جمعياً، و(آه ما أرق الرياض) التي طرز بها ليل الرياض وصباحه سوى الينبوع الأشهر لمنجزه الكبير.
ومع ذلك فإن البحث في منطقة مختلفة إلى حد ما؛ حيث التمازج بين موضوعي الغزل والوطنية، والحنين إلى الماضي وعرض مكونات الوطن، ينجح في تشكيل ما يمكن تسميته (البعد الوطني العميق)، أو البنية العميقة للوطنية؛ لذا كان اختيار نصين أولهما (سوالف عرب على جال ضوهم) والآخر (رسالة من بدوي).
هنا يبدو أن الشعر الممزوج بالفخر أو الغزل يكون أكثر تعبيرًا عن الذات الشاعرة، ولعله الأكثر مصداقية لدى الشاعر نفسه، وربما كان الأكثر قبولاً لدى المتلقين كونه يأتي بتفضيل للوطن على ما عداه».
الدكتور حاتم الزهراني: «إذا كنت سعودياً، فإن بدر بن عبدالمحسن هو أحد آبائك الخياليين.»
ثم جاء دور المتحدث الثالث في الأمسية وهو الدكتور حاتم الزهراني، وقد تناولت ورقة د. الزهراني التجربة الشعرية لبدر بن عبدالمحسن من منظور تأثيراتها في تشكيل الهوية الوطنية والسردية السعودية.
أشارت الورقة إلى أهم الخصائص الفنية لتجربة البدر، مثل الريادة في التحديث، والاستمرارية، والتنوع، والثقافة الواسعة، والتوازن في التناول الفني، والاستلهام من الفنون الأخرى، ثم ركزت على كيفية استخدامه للعناصر والعلامات الثقافية والطبيعية وتحويلها إلى رموز يتداخل فيها التراث والأحداث المعاصرة للتعبير عن الأحلام والطموحات الجماعية ولتخيل صورة جماعية للوطن.
وقد قدمت الورقة قراءة لمجموعة من النصوص، وسلطت الضوء على القيم التي تؤكد عليها؛ مثل الانتماء والاعتزاز بالجذور، والربط بين التاريخي والديني، والتنوع، والانفتاح، والتسامح، والكرم والسلام، والإعلاء من قيمة الجمال. وختمت الورقة بمقارنة تجربة البدر بتجربة شعراء عالميين أسهمت أعمالهم في تخيل هويات أوطانهم، واختتم د. الزهراني حديثه بالقول: « إذا كنت سعودياً، فإن بدر بن عبدالمحسن هو أحد آبائك الخياليين».
نقاش ثري
أثارت الجلسة نقاشًا ثريًا بين المتحدثين وضيوف الصالون ومنهم: د. حمزة المزيني، الأستاذ علي الشدي، الأستاذ عبدالله الصيخان، الأستاذ يحيى الأمير، د. عبدالله علي ثقفان، الأستاذ سلطان البازعي، د. زياد آل الشيخ، الأستاذ ماجد الرشيد، د. عبدالله الحيدري، والأستاذ إدريس الدريس.
ودار النقاش حول القيم الوطنية التي تجسدت في شعر الأمير بدر بن عبدالمحسن، ودوره في تعزيز الهوية الوطنية السعودية. وقد أبرز المداخلون تنوع موضوعات شعر الأمير بدر، وشموله على مختلف القيم الوطنية، من حب الوطن والاعتزاز به، إلى التضحية والفداء، والوحدة والتآخي.
ختام الأمسية
أشاد الجميع بأهمية هذه الجلسة في تسليط الضوء على القيم الوطنية في شعر الأمير بدر بن عبدالمحسن، ودوره في تعزيز الهوية الوطنية السعودية.
واختتم الدكتور زياد ادريس الأمسية بشكر المتحدثين والجمهور على مشاركتهم الفاعلة، مؤكداً حرص مركز عبدالله بن إدريس الثقافي على إقامة المزيد من الفعاليات التي تُسهم في نشر المعرفة والثقافة، وتعزيز القيم الوطنية. مستلهمين أحد أهداف المركز في تكريم المميزين من مثقفي الوطن والاحتفاء بهم. أولئك الحاضرون وإن غابوا.