خالد بن حمد المالك
موقف الرئيس الأمريكي من قيام الدولة الفلسطينية، ورد فعله الغاضب إثر اعتراف ثلاث دول أوروبية بها لم يكن غريباً أو مُستغرباً، وهو للأمانة ينسجم ويتناغم مع حقبة تاريخية تبنّت خلالها الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل لتكون قنبلتها في هذا الجزء المهم من العالم، تُهدد بها دول المنطقة، وتحركها للعدوان على من يعترض على سياساتها، وإمعاناً بذلك، فهي تحمي احتلالها للأراضي الفلسطينية، وتتجاوب معها في رفض قيام دولة فلسطينية.
* *
ربما يقول قائل، ولكن واشنطن تصرّح من حين لآخر بأنها مع خيار الدولتين، وأن لا أمن ولا استقرار بدون دولة فلسطينية، ونقول لهؤلاء: إذا كانت أمريكا جادة وصادقة، وإنها مع هذا الخيار، فلماذا لم يكن موقفها إيجابياً مع الاعتراف الأوروبي الثلاثي بالدولة الفلسطينية، ولماذا استخدمت حق النقض في مجلس الأمن ضد عضوية كاملة لفلسطين في المجلس، ولماذا تسمح لإسرائيل وتدعمها عسكرياً وسياسياً في حربها في غزة والضفة الغربية، ولماذا تلتزم الصمت أمام تصريحات الإسرائيليين بأن لا دولة فلسطينية، وأن اتفاق أوسلو الذي تم بضمانة أمريكية إنما هو خطأ تاريخي يعتبر في حكم المُلغى؟.
* *
وُدّي أقول إن أمريكا دولة عظمى، وإنها تقف على مسافة واحدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ووُدّي أقول إن أمريكا مع حقوق الإنسان، وأنها ضمانة للدول الصغيرة، وحامية للدول المظلومة، ولكن ما أراه وأشاهده وألمسه يرفض أن أنساق إلى ما يُحسّن صورة الولايات المتحدة، أو يعطيها ما ليس لها فيه حق، وأمريكا هي من اختارت مواقف تجعلها مكروهة من كل الشعوب، وتجعلها دولة لا يُؤتمن شرها، ولا يُطمأن لها.
* *
لا شك أن المظاهرات والاحتجاجات التي تُوّجت باعترافات الدول الثلاث شكلت ضغطاً على الولايات المتحدة الأمريكية، وأبرزت قوة الدبلوماسية السعودية في التأثير على مسار القضية الفلسطينية إيجاباً، ولكن ما لا تفهمه أمريكا، أو أنها تتعمد التغاضي عنه، أن الشعوب - والفلسطينيين في طليعتها - لا يمكن أن تسكت أمام الاحتلال والقهر والظلم إلى الأبد، مهما بلغت التضحيات والأثمان الغالية، وهو ما يحدث في غزة والضفة الغربية، وهو ما حدث منذ قيام الدولة الإسرائيلية قبل 75 عاماً.
* *
إن استخدام إسرائيل بوصفها ورقة انتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية، لا يُؤمّن الأمان لإسرائيل، ولا يحمي مصالح أمريكا بالمنطقة، حتى وأمريكا ترفض ما صدر عن المحكمة الدولية ضد إسرائيل، وتعتبره ليس فقط كما لو أنه لم يكن، بل إنها سوف تصدر عقوبات ضد أعضاء المحكمة في سابقة تُظهر عَمَى السياسة الأمريكية، وابتعادها كثيراً عن المعقول.
* *
وفي ظل هذا، فلا خير ينتظر من أمريكا، ولحسن حظ أمتنا أنها في حضن حارسها الأمين المملكة العربية السعودية، وما دام الأمر كذلك، فالدولة الفلسطينية قادمة ولو طال الزمان.