د. غالب محمد طه
دخل «نولاند أربو» التاريخ من أوسع الأبواب بعد ذلك الظهور التاريخي عبر بث مباشر علي منصة إكس وهو يلعب الشطرنج عبر الإنترنت وألعاب الفيديو وعبر عن سعادته بقوله: لقد فقدت الأمل في ممارسة تلك اللعبة، لقد منحتموني جميعا في «نيورالينك» القدرة علي فعل ذلك مجددا، ولعبت 8 ساعات متواصلة ، بهذه الكلمات بدأ التحول التاريخي لشكل العلاقة بين الإنسان والآلة، حيث يعتبر «أربو» الذي يبلغ من العمر 29 عاماً والمصاب بشلل رباعي هو أول شخص يخضع لعملية تركيب شريحة دماغية ويصبح قادراً علي التحكم في فأرة الكمبيوتر بمجرد التفكير ،متجاوزاً حدود الطبيعة البشرية محققاً إنجازًا يُعد نقطة تحول في مسار البشرية ويصبح رمزًا للتطور الذي سيُعيد تشكيل مفهوم الوجود الإنساني.
يبدو أن ما كنا نشاهده من أفلام الخيال العلمي عن التكنلوجيا والفضاء والروبوتات بدأ يتحول إلى واقع ملموس بعد نجاح أول عملية زراعة شريحة دماغية ويعتبر هذا التقدم العلمي بارقة أمل لعلاج العديد من الحالات الطبية الأخرى.
إن زراعة الشرائح الدماغية تعتبر بكل المقاييس إنجازاً طبي مذهل ،فبعد البدايات المتواضعة للتكنولوجيا العصبية، وقدرتها في كيفية تفسير الإشارات العصبية، وصلنا اليوم إلى مرحلة يمكن فيها للشرائح الدماغية أن تترجم هذه الإشارات إلى أوامر رقمية، هذا التطور لم يكن ليحدث دون الاستكشافات الجريئة والابتكارات المتواصلة التي قادها علماء ومهندسون متخصصون.
إن هذه الأجهزة الإلكترونية الصغيرة التي تُزرع في الدماغ لها القدرة على تسجيل الإشارات العصبية وتحويلها إلى إشارات رقمية. وقد أظهرت الدراسات الحديثة، مثل تلك المنشورة في «Nature Neuroscience»، نجاحًا باهرًا في استخدام الشرائح لتحسين الوظائف الحركية للمصابين بإصابات الحبل الشوكي، مما يعد خطوة كبيرة نحو استقلالية أكبر لهم.
وذكر موقع «أكسيوس» أن هناك العديد من الأجهزة التي تربط الدماغ بالحاسوب (BCI) قيد التطوير، والتي يُرجى منها أن تسهم في علاج الأمراض العصبية مستقبلاً. ولفت الموقع إلى أن دراسات BCI ليست بجديدة، إذ تعود لعقود مضت، لكنها حظيت بتركيز متزايد في الآونة الأخيرة بفضل الاستثمارات الكبيرة التي تلقتها. وفي سياق متصل، أعلنت شركة «Synchron»، وهي شركة ناشئة في مجال زراعة الدماغ تحظى بدعم من «جيف بيزوس» «وبيل غيتس»، وهي قد قامت بزراعة جهاز BCI لستة مرضى كأول تجربة لها في سبتمبر الماضي، بالإضافة إلى جهود «نورالينك» التي يمولها «إيلون ماسك».
تشهد تقنيات واجهة الدماغ والحاسوب (BCI) سباقًا تكنولوجيًا محمومًا، حيث تسعى الشركات الناشئة والعملاقة على حد سواء لتطوير أجهزة مبتكرة تعد بتحويل الطريقة التي نتفاعل بها مع الأجهزة الرقمية. ويُعتبر هذا السباق جزءًا من موجة أوسع في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، والذي يتضمن استثمارات ضخمة وتعاون خلاق بين الشركات التقنية والمؤسسات البحثية. ومع تسارع وتيرة الابتكار، يتوقع أن تشهد السنوات القادمة تقدمًا هائلاً في هذا المجال، مما قد يؤدي إلى تحسينات جذرية في علاج الأمراض العصبية وتعزيز قدرات الإنسان العقلية.
ويبدو بهذا التسارع أن الشرائح الدماغية ستمكن قريباً الأشخاص الذين فقدوا أطرافهم من التحكم في أطراف اصطناعية بواسطة أفكارهم، وإحداث ثورة في حياتهم. وتسهم في توفر علاجات جديدة لأمراض مثل الصرع والباركنسون، حيث تعمل على تنظيم النشاط الكهربائي غير الطبيعي في الدماغ.
باختصار، تقنيات BCI تمثل نقلة نوعية في التفاعل بين الإنسان والتكنولوجيا، وقد تحمل في مستقبلها إمكانيات هائلة لتحسين حياة الأفراد وتوسيع آفاق التواصل والتفاعل.
وقد نجد أنفسنا في المستقبل القريب نتحكم في الأجهزة المنزلية ونرسل الرسائل النصية بمجرد التفكير فيها، وقد تتيح الشرائح الدماغية إمكانيات لم نكن نحلم بها من قبل، مثل تحسين الذاكرة أو تعلم مهارات جديدة بسرعة فائقة تجعل من التفاعل مع التكنولوجيا تجربة سلسة وطبيعية.
وما يهمنا هنا كدول عربية وإسلامية أن نكون جاهزين للتطورات التكنولوجية الحديثة، بما في ذلك التكنولوجيا العصبية، من خلال توفير التشريعات والقوانين اللازمة. هذه الخطوة ضرورية لضمان استخدام هذه التكنولوجيا بطريقة مسؤولة وآمنة، ولحماية حقوق الأفراد والمجتمعات.
التشريعات يجب أن تغطي جوانب مثل: الخصوصية، الأمان السيبراني، الأخلاقيات الطبية، والملكية الفكرية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب تشجيع البحث والتطوير في هذا المجال، وتعزيز التعليم والتدريب لتطوير الكفاءات اللازمة، ودعم الابتكار وريادة الأعمال. كل هذا سيساعد في تحقيق استفادة قصوى من التكنولوجيا العصبية وغيرها من التقنيات المتقدمة، ويمكن أن يسهم في تحقيق نمو اقتصادي واجتماعي عربي مستدام.
وبإعلان «إيلون ماسك» عن نجاح أول زراعة شريحة في الدماغ تكون البشرية قد دخلت مرحلة جديدة وهامة مع التكنلوجيا ، وتبرز للسطح العديد من التساؤلات فهل هي بداية لمساعدة ملايين المرضي حول العالم أم ستكون البداية لتحقيق كل تلك الكوابيس التي نشاهدها في أفلام الخيال العلمي؟
أعتقد أن الصعوبات التي واجهت شركة «نيورالينك» في انخفاض كمية البيانات التي تم التقاطها من دماغ «اريو» سيتم تجاوزها سريعاً وسيفتح بعدها الباب واسعاً لنقاشات عميقة حول مستقبل هذه التقنيات الثورية والتحديات الأخلاقية المرتبطة بها.