د. علي القحيص
تراثنا العربي الأصيل وأدبنا الشعبي الجميل الغزير بالموروث، مليء بالحكم والمواعظ والدروس والعبر، بعضها إيجابي وتصلح في كل زمان ومكان، وبعضها الآخر عفا عليه الزمان، وربما انتفى أمرها ولا تصلح شرعاً وأدباً وخلقاً في هذا الوقت، هناك مفردات يتداولها الناس بكثرة وبشكل متكرر في السراء والضراء، والأفراح والأتراح، في المناسبات المختلفة وحتى بالجد والهزل، ولا يعلم المتحدث ومطلقها ومن يرددها ما ترمي إليه تلك المفردات على أنها لا تصلح ولا يجوز تداولها أبدا، بل وتضعف المعنى وتقلل من شأن المتحدث، لأنها تتعارض مع الدين والخلق والتربية والسلوك والاحترام، بل هي معيبة وتنتقص من كرامة الإنسان بدون أن يدرك كنه تلك المفردات! (جداتنا)، الفاضلات اللواتي أنجبن أمهاتنا الطاهرات أو آباءنا الأفاضل الكرام، وكذلك لجداتنا الفضل أيضاً في توجيه الأب والأم والأولاد في المنزل، في تلك المرحلة، لما كان لديهم السلطة في العائلة قبل أن يتهمش دورهم التربوي!
وربما بعض الجدات يدركن الكثير ويعرفن الخفايا والمعلومات التاريخية والتراثية والاجتماعية والعائلية التي نجهلها أو نتجاهلها.
زد على ذلك هناك من يقول ويردد الأسوأ من ذلك بكثير، حين تسأله أنت من أين؟
يعني من أي قبيلة أو عشيرة أو عائلة، فيرد عليك بالجواب غير المبرر: (إذا صدقت الوالدة أنا من.....؟)!
وهذا كلام معيب وناقص وشاذ، بل نشاز ومرفوض، لأنه إذا أجاب بهذه النقيصة والتفاهة والكلمة الضعيفة المشينة، فإنه يشكك في والدته (والعياذ بالله)!
وهذا الكلام يتردد جهلاً ويتردد على بعض من إخوتنا العرب!
إذاً هناك كثيرٌ من المفردات المستهلكة المتداولة لا يصلح التلفظ بها أوتداولها أو استخدامها كمضرب للأمثال أو التنويه أو الدلالة، لأنها مسيئة وضعيفة وناقصة، ولا يصلح تداولها في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية والخليجية المحافظة، لكون الآباء والجدات والأمهات يحظون بالاحترام العالي والود والبر والرعاية والتقدير، ولكن ما زالت هناك مفردة تترد في مجتمعاتنا الخليجية مثل: (ما عندك.. ما عند جدتي)، في إشارة إلى عقلية جدته أو تفكيرها، أو ربما الإشارة إلى أنها فاقدة الذاكرة!
والجدة يطلق عليها ألقاب كثيرة (ستي وبيبيتي، ستو، ونينه، وفي المغرب العربي «لميمة»).
ولكن هذه جدته ربما كانت على وعي وإدراك وعلم أكبر من معرفة هؤلاء بالأمور العامة، وأكثر تعقلاً ونضجاً وفكرا وسلوكاً من القائل أو مردد الكلمة الضعيفة نفسها، التي تسيء لجدته التي تحفظ تاريخه وسيرته ومسيرته، وأيضا جداتنا الفاضلات وأمهاتنا اللواتي أصبحن جدات، وعندهن الخبر اليقين!!
{فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (23-24) سورة الإسراء
والذي يقول اليوم (ما عندك.. ما عند.. جدتي) نقوله بصراحة (ما عندك سالفة)!!
** **
- كاتب سعودي