سهوب بغدادي
انتشر خلال الآونة الأخيرة الماضية مصطلح «الهبة» فنسمع عن «كوفي الهبة» و»مطعم الهبة» وغيرها من الأمور، فلا يختلف معناها عن «الترند» في مجالات ونطاقات أخرى، أيضًا يتوافق المفهوم مع تعبير «التقليعة والصيحة والموضة»، إذ جاء في كتاب «السعي وراء الضيافة اللاعقلانية» pursuing unreasonable hospitality للكاتب وصاحب سلسلة من المطاعم الناجحة «ويل غيدارا» وخلاصة الكتاب تكمن في تجاوز التوقعات التقليدية، ونيل رضا العملاء من خلال تقديم تجارب استثنائية، والأهم من ذلك خلق روابط دائمة مع العميل، بمعنى الارتباط على الصعيد المشاعري، ووضع «تقديم الخدمة» و»الضيافة» في مقارنة، فالأولى تضمن الأرباح والعوائد ولكنها لا تضمن الاستمرارية والولاء الدائم والممتد لعقود طويلة من الزمن، وهذا ما يجعل من مقهى الحي الصغير والمطعم القديم مزارًا حيًّا عبر الأجيال، ولنا في مقهى الراحل نجيب محفوظ خير مثال على هذا المفهوم، في هذا الخضم، نرى أوجه التشابه بين مجال الأعمال والنواحي الحياتية، حيث نعرف أشخاصًا مبهرين في ظاهرهم وحديثهم وعدد متابعيهم وأرصدتهم في البنوك وما إلى ذلك، إلا أننا قد نفضل الشخص البسيط الذي لا يمتلك ربع المقومات الظاهرية التي بحوزة السابق، لماذا؟ نعود إلى معيار «الرابط المشاعري» كما هو الحال مع تنمية الزبائن وخلق الرابط الإنساني فالعلاقات تُنمى عبر الروابط كذلك من خلال المواقف والأحاديث على اختلاف أطرها، فقط تعترض العلاقات مطبات وعراقيل ولا يعني ذلك أن العلاقة أصيبت بالوهن، ويقاس الأمر ذاته على التجارة، التي تشهد تقلبات ومطبات وصعوبات، على ذات النهج عندما يخطئ مطعمك المفضل منذ سنوات في تحضير طبقك، فهل ستكون الضربة القاصمة التي تجعلك تهجره للأبد؟ وقس على هذا المنهاج على جميع نواحي الحياة في التعاملات والعلاقات، فالاستدامة سر النجاح, الهبة لا تعرف الاستدامة بالتأكيد إلا ما ندر في حال تغيير الرؤى المنوطة بالمشروع وتوجهاته، كما نشهد عمليات الاستنساخ لمشاريع الهبة، أو «حلا الهبة» إلا أنها سرعان ما يخبو وهجها، وهنا نجد معيارًا آخر ليضاف مع الاستمرارية ألا وهو «التفرد والأصالة» لنرجع إلى تطبيق ذات المعيار على العلاقات الإنسانية، فالتفرد والأصالة في الأقوال والأفعال تجعل من الشخص لا يتكرر في زمن يغلب عليه ثقافة القطيع، فتلك تدفن نفسها بالديون لأجل عمليات التجميل، وذاك يكابد لأجل الحصول على سيارةمترفة لا تتوافق مع احتياجاته ووضعه، فتمتد القائمة والمبدأ واحد، مما يستدعي النظر والتأمل داخليًّا وخارجيًّا في أحوالنا.
«أصعب معركة في حياتك عندما يدفعك الناس إلى أن تكون شخصًا آخر» «ويليام شكسبير».