د. عيد بن مسعود الجهني
إن الدولة الصهيونية قد قامت على أساس عنصري، وهي دولة مغتصبة قامت على الباطل، وقد كشرت منذ أيامها الأولى عن أنياب العدوان وأظهرت الكره والعداوة للعرب والمسلمين، وقد أظهرت الأيام وبرهنت الوقائع والأحداث أن الهدف الحقيقي لقيام إسرائيل هو إثارة المشكلات وتأجيج الصراعات في منطقة الشرق الأوسط.
ورغم بشاعة ما حدث ويحدث على أرض فلسطين فالواضح أن هذه ليست النهاية، فالقصة سوف تستمر مليئة بالأحزان والمآسي والظلم المرير وستظل إسرائيل تذبح شعب فلسطين وتذيقه المرار وقاسى القهر، وصنوف البطش والتنكيل بهذا الشعب الذي يبحث عن السلام والأمن وشرعية البقاء.
إسرائيل نهجت منذ قيامها حتى اليوم أساليب الفتك والقمع وظل الشعب الفلسطيني أسير القوة الصهيونية الغاشمة بكل ما تحمله من عدوان وغطرسة، أما العرب فإنهم ينادون بالسلام وينشدون العدل منذ قيام إسرائيل حتى اليوم، لكنهم وبعد مرور هذه العقود من السنين وبعد أن ابتلع العدو الصهيوني معظم الأراضي الفلسطينية وبعض الأراضي العربية وشن عليهم ست حروب مدمرة، فإنهم لن ينالوا سلاماً ولا عدلاً، ولا أظن أنهم سينالون عدلاً ولا سلاماً بالكلام والشجب والاستنكار، بل لا بد أن يتسلحوا بالقوة إن أرادوا حقهم ورفع الضيم عنهم، فإن العالم وإسرائيل لا يصغيان إلا إلى الأقوياء.
وقد كان يوم 21 آب/ أغسطس 1969م يوماً أسود في تاريخ القدس وفي تاريخ المسلمين والعرب ففي ذلك اليوم أقدمت إسرائيل على ارتكاب جريمة بشعة، حيث دبرت محاولة إحراقه، وإحراق قلوب المسلمين معه، كانت أحداث ذلك اليوم الحزين كارثة في حق المسجد الأقصى وكارثة على المسلمين والمسيحيين وقد أكدت تلك الحادثة مدى عنصرية اليهود وحقدهم، وهي حادثة لن تمحوها الأيام ولن ينساها التاريخ وستظل تؤكد أنه لا أمان لليهود ولا نهاية لأحقادهم وخبثهم ومكائدهم!
وإذا لم ينهض العرب والمسلمون ويهبوا هبة رجل واحد فإن القدس سوف تضيع، ولن يمر وقت طويل حتى تصبح مدينة يهودية، وسوف ينهار المسجد الأقصى الذي تجري الحفريات وتشق الأنفاق تحته ومن حوله، وحينئذ لن ينفع الندم ولن يفيدنا لطم الخدود وشق الجيوب، وسيكتب عنا التاريخ أننا الجيل الذي أضاع القدس.
ومع فشل خارطة الطريق في تحقيق السلام أمام الهروب الإسرائيلي من عملية السلام، فإنه لا خيار للعرب سوى تمسكهم بمبادرة السلام العربية التي أجمع عليها العرب لأول مرة في تاريخهم الحديث منذ قيام الدولة العبرية عام 1948 بمؤتمر قمة بيروت عام 2002 أمر لا مفر منه.
وإذا كانت الإدارة الأمريكية تشترط أن ضريبة السلام تعني فتح صفحة مرنة من العلاقات مع إسرائيل فإن السلام العادل وهو ما اتفق عليه العرب في مبادرة السلام العربية التي تنص على أن السلام في الشرق الأوسط لن يكتب له النجاح إن لم يكن عادلاً وشاملاً تنفيذا لجميع قرارات مجلس الأمن ومنها رقم 242 و338 و425 ومبدأ الأرض مقابل السلام.
ومن الأجدى لكل الدول العربية أن تتمسك بخيار تحقيق السلام العادل والشامل، هذا في ظل تنحية تحرير القدس وفلسطين بالقوة العسكرية في هذا الزمن الذي يشهد تغيرات خطيرة على المستوى الإقليمي والدولي وتقف الولايات المتحدة مع إسرائيل ضامنة أمنها واستقرارها (بالقوة) الأمريكية، ناهيك أن الدولة العبرية نفسها دولة نووية وتملك ترسانتها العسكرية جميع أنواع الأسلحة الأمريكية المحرمة على العرب.
وبذا يصبح التمسك بالمبادرة العربية ضرورة وليس ترفاً ودعمها على المستوى المحلي والإقليمي والدولي بوحدة كلمة العرب خاصة كل من المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية.
وإذا كان خيار قيام دولة فلسطينية أصبح مطروحاً اليوم تزامناً مع محرقة غزة غير المسبوق في التاريخ إلا عندما ضربت أمريكا الجزر اليابانية بقنابلها النووية، ومن يقرأ التاريخ العسكري يتضح له أن ما لقيته إسرائيل من دعم صارخ من البيت الأبيض وبعض الدول الغربية المزودة إسرائيل بالأسلحة ومنها بريطانيا صاحبة وعد بلفور اللعين عام 1917 وفرنسا وألمانيا من أسلحة مدمرة يعادل قنبلة نووية.
هذا الخيار قيام دولة فلسطينية دعمته (143) دولة من أعضاء المنظمة الدولية، وعندما نوقش تحت قبة مجلس الأمن صوتت ضده أمريكا التي سبق لرئيسها السيد بايدن التصريح علناً بخيار الدولة الفلسطينية وكرر ذلك مرات بحملاته الانتخابية، وبهذا يتضح بجلاء زيف الكلام وذر الرماد في العيون، وهذه (مصيبة) أمريكا التي فقدت مصداقيتها عند العرب والدول الـ(143) التي صوتت لصالح قيام دولة فلسطين.
والسؤال المطروح بعد كل هذا: هل قيام دولة فلسطين حقيقة أم خيال؟ والإجابة باختصار أن الخيال تغلب على الحقيقة والدليل واضح لا غبار عليه، فمنذ عام النكبة الأولى قيام دولة اليهود على أرض فلسطين عام 1948 بدعم أمريكي - بريطاني والنكبة الثانية عام 1967 وحرق المسجد الأقصى واحتلاله ونشر المستوطنات في كل أجزاء الديار الفلسطينية، واعتبارها جزءا من أراضي إسرائيل.
هذه السياسة الإسرائيلية الإجرامية سرقت معظم الأراضي الفلسطينية فمن المساحة الإجمالية الفلسطينية البالغة (27) ألف كيلو متر مربع (قضمت) إسرائيل حتى كتابة هذه السطور (85) في المئة من مساحة فلسطين وبذا لم يتبق لشعب يبلغ عدد سكانه في الداخل طبقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني سوى (5.5) مليون نسمة، وإذا أضفنا إليهم من هم في الخارج يصبح عدد السكان (11.9) مليون نسمة.
هؤلاء الذين يعيشون (غصباً) في الخارج أجبرتهم إسرائيل على (النفي) (بالقوة) خارج ديارهم يعيشون في العديد من الدول بعد أن بلغت ذروة التهجير عام 1967 زمن الحرب التي شنتها إسرائيل على كل من مصر والأردن وسوريا.
الدولة العبرية التي يبلغ عدد سكانها (9.5) مليون نسمة ومساحتها الأصلية لا تزيد عن (22071) ألف كيلومتر مربع بسياستها العنصرية ابتلعت (85) في المئة من مساحة أرض فلسطين لتصبح دولة بعد أن كانت صغيرة جدا في المساحة، تزيد مساحتها على حساب أرض الفلسطينيين وبذا تتضح معادلة (الحقيقة والخيال) لقيام دولة فلسطينية مستقلة على أرضها كلها (27) ألف كيلومتر مربع وعاصمتها القدس.
هذا الخيار الذي تفرضه إسرائيل علناً وتدعمها أمريكا ودول أخرى منها بريطانيا وفرنسا رغم تصريحاتهم الجوفاء (الكاذبة) بدعم خيار الدولتين، وفي الحقيقة أن إسرائيل مستمرة في ابتلاع الأرض المتبقية (15) في المئة وستقتل خيار الدولتين.
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة